IMLebanon

أهي نهاية النموذج؟!

كنا نتبادل الآراء والأفكار حول الوضع اللبناني، والانهيار الشامل الذي يأخذ بطريقه كل ما كان يختزنه ويمثّله النموذج اللبناني الفريد، والذي تحدّثت عنه الدنيا بإعجاب وانبهار.

فجأة، شدّ بيده على يدي متسائلاً: تريد الحقيقة؟ قلت طبعاً. قال اكتب إذاً. فكتبت، وكانت هذه الخلاصة، أو هذه الصورة الصادقة والصافعة:

البلد تملأه الفراغات الدستوريّة، والقانونيّة، والسياديّة، والسياسيّة، والقياديّة، والحياتيّة، والاقتصاديّة… وكل ما من شأنه أن يعيد الاعتبار والاحترام والاستقرار إلى هذا اللبنان الذي يملأه الخوف من كل شيء، من داخل ومن خارج.

ومن كل الذين يخطبون ودّه، كما الذين يبيعونه يوميّاً بثلاثين من الفضّة، كما الذين على ثيابه يقترعون في المناسبات والمزادات، كما الذين يرهنونه لدى الفئات والجهّات القادرة على صناعة من يحتلّون المناصب.

أجل، لا شيء سوى الفراغ. فراغ إثر فراغ. كما يحصل تماماً منذ عشرة أشهر، وعلى أعلى المستويات. ومخالفة دستوريّة إثر مخالفة. والرقعة القانونيّة في ظهر الرقعة. لا مِن شاف ولا مِن دري. وارتهان فوق ارتهان.

بلد لا يختلف عن غابة سائبة. لا راعٍ لها، ولا مَنْ يسأل عنها إلا حين تقتضي مصالح معينة، مصالحٌ لا تلتقي ومصلحة هذه الجغرافيا المبهدلة بألف عيب ونقيصة. ولأغراض تقتضيها مصلحة الجوار أو الأبعد منه.

بلد في حال تجعل الصخر ينتحب. لا وجود لشعب لبناني. هناك شعوب، قبائل، مجموعات طوائفيّة، فئات انتفاعيّة متكسّبة، تبحث عن حصّتها من مردود هذه الغابة. حتى الفضلات يتقاسمونها مثلما يتقاسمون الفساد والغش والتهريب وتمرير المواد الممنوعة أو غير المطابقة للأصول.

كان البلد متجراً كبيراً فصار دكاناً صغيراً. فجنّ الفاسدون، وتجّار الغش، وراحوا يعيثون في جغرافيا كل مين إيدو إلو. فانتزع كل شيء: لا الدولة دولة. ولا المسؤولون مسؤولون. ولا المؤسّسات مؤسّسات. ولا المجلس مجلس. ولا الحكومة حكومة. ولا الوزراء وزراء. ولا النواب نواب. ولا الموظفون موظفون. ولا القيادات قيادات. ولا الزعامات. ولا…

وما اكتشفه وأعلنه الوزير وائل أبو فاعور، حتى الآن، من شأنه أن يُشعر كل لبناني بالخجل والمرارة والقهر والقرف. فكيف بالذي لم يُكشف بعد ولم يُعلن؟

صحيح أن ما يجري ويحصل من حولنا وحوالينا من حروب ودمار ومذابح وتشرّد يجعلنا نشكر الله على نعمة الرواق.

ولكن يجب ألا ننسى حروب الآخرين والحروب القذرة، وحروب الوطن البديل، وحروب توحيد البندقية واجتياحات إسرائيل، وهجرة نصف اللبنانيّين إلى دنيا الانتشار.

مؤلم ومفجع أن يتحدّث الواحد منّا عن وطنه بهذه الصراحة.