IMLebanon

أليس من قمر في… طهران؟

 

لم تكن التظاهرات والاحتجاجات الشعبية التي عمّت الكثير من المدن والنواحي الإيرانية احتجاجاً على الغلاء وندرة فرص العمل والسياسات الحكومية الخارجية التي دأبت على هدر الموارد القومية خدمة لبرنامج أصحاب العمامات السود في تصدير ثورتهم المذهبية بوساطة الميليشيات العابرة للحدود، لم تكن إلا استفاقة شعبية عارمة وصرخة وعي عام تشكّل في غياب التنمية والحريات والبرامج المستدامة.

 

 

وكلما تفاقمت الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها دولة الملالي نتيجة توجيه الإمكانات نحو التسليح وصناعة الفرق الحربية المذهبية التي مهمتها زعزعة الاستقرار الإقليمي متنقلة بين العواصم العربية كالرياح الصفراء، وكذا بفعل العقوبات الأميركية المفروضة على طهران وعلى كل من يتعامل معها تجارياً أو صناعياً، اقترب حبل المشنقة من الطموحات الإيرانية في السيطرة على عواصم عربية ما لبثت تسعر منها حشوداً طائفية، وتعيث فيها تنكيلاً بمدنييها، وتدميراً لبناها التحتية، واختراقاً لمؤسساتها السياسية، كما الواقع في لبنان والعراق وسورية واليمن.

 

أما الولايات المتحدة، ويقيناً منها بضرورة الاستجابة السريعة لتطويق النزعة التخريبية التي يسوقها نظام الملالي وحكم الفقيه في طهران، فقد سارع وزير خارجيتها، مايك بومبيو، إلى تشكيل «مجموعة عمل إيران» برئاسة مدير تخطيط السياسات في وزارة الخارجية، براين هوك. المجموعة ستعمل على تنسيق وتمكين سياسات الضغط ضد إيران عبر مؤسسات الحكومة الأميركية، ومع الدول الحليفة التي دفعت وستدفع أثماناُ عالية إذا لم يتم لجم الطموح التوسعي الإيراني. هذا إلى جانب قائمة طويلة من الإجراءات الجريئة للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بهدف حرمان النظام الإيراني من السيولة المالية التي وفّرها له سلفه باراك أوباما، تلك السيولة التي تستخدم حصراً لدعم الإرهاب والتغوّل على دول المنطقة وتغذية نزعات الهيمنة الإقليمية.

 

خريطة طريق هوك تبدو واضحة ومحكمة وقد أعلن عنها في أول ظهور رسمي له، إثر تسلّمه مهمته، خلال قمة الأمن القومي التي نظمتها مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات في واشنطن أخبراً؛ حيث شدّد على استمرار الولايات المتحدة في تصعيد العقوبات على النظام الإيراني الذي لقّبه بـ «مافيا الابتزاز والفساد» وقد صرف ما يعادل مبلغ 700 مليون دولار لدعم ميليشيات «حزب الله» في لبنان، وما لا يقل عن 16 مليار دولار لتسليح الميليشيات الطائفية في سورية والعراق واليمن، هذا ناهيك بمنح بشار الأسد ائتماناً مصرفياً يقارب 6.4 مليار دولار لدعم حملته الشعواء ضد شعبه. إلا أن هوك، على رغم رفعه عصاً غليظة مُسَلَّطة، لم يبخل بـ «الجزرة» مقدماً دعوة لإيران بالامتثال للشروط الـ12 التي وضعها الوزير بومبيو من أجل رفع العقوبات عنها. من أبرز تلك الشروط: وقف جميع نشاطات تخصيب اليورانيوم والكشف للوكالة الدولية للطاقة الذرية عن التفاصيل العسكرية لبرنامجها النووي، ووقف دعم الميليشيات الحوثية في اليمن، وسحب الميليشيات المقاتلة كافة من كل الأراضي السورية، والتخلّي تماماً عن دعم الجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط بما فيها «حزب الله» و «حماس وحركة الجهاد الإسلامي، وإطلاق سراح المواطنين الأميركيين ومواطني الدول الحليفة المعتقلين فى إيران.

 

رد الفعل الإيراني على هذا العرض جاء مباشراً على لسان المرشد الأعلى، علي خامنئي الذي شدّد على أن إيران ستستمر في تخصيب اليورانيوم، وأنها ستوقف من طرفها كل تعاملاتها مع الولايات المتحدة لغياب الثقة فيها في شكل كامل، مبرراً ذلك بقوله: «الجمهورية الإسلامية لا يمكنها التعامل مع حكومة تقوم بسهولة بانتهاك معاهدة دولية وسحب توقيعها والتباهي على نحو مسرحي بانسحابها عبر التلفزيون».

 

من نافلة القول أن تلك الرعونة العمياء التي تواجه بها دولة الملالي مأزقاً منعطفاً في تاريخها الذي امتد أربعين عاماً من ترويج الغيبيات، وتصنيع النعرات الطائفية، وصوغ الشرور، لن تنتهي إلا بصدام مباشر سيجرّ المنطقة والعالم إلى حافات الهاوية. فطهران سارعت وأرسلت وزير دفاعها إلى دمشق ليلتقي برئيس النظام، بشار الأسد، ويعقد معه صفقات واتفاقات دفاعية جديدة، ويجدّد عقداً قديماً أبرمه منذ عهد الأسد الأب في الإبقاء على الانتشار الإيراني في سورية إلى أجل غير مسمى. وطهران ردت على عرض الولايات المتحدة رفع العقوبات المشروط بوقف الاعتداء على الأراضي السعودية بوساطة انقلابيي اليمن بإطلاق حلفائها الحوثيين المزيد من الصواريخ الباليستية على نجران السعودية. وطهران لن تتوقف عن إطلاق الصواريخ في ما يبدو حتى لو أصاب أحدها قمر المدينة وأدخلها في نفق الظلمات! فهل من مستنير وعاقل بين معتدلي حكومة روحاني يبادر في قلب ظهر المجن قبل الدخول في مجهول المواجهة العظمى؟