IMLebanon

إسرائيل وإيران و«شريط الجولان»

اتفاق وقف النار في جنوب غربي سوريا لم يأتِ نتيجة مباشرة للقمة التي عقدت يوم الجمعة من الأسبوع الماضي بين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في هامبورغ، وإذا كان الإعلان عن الاتفاق قد شكّل مفاجأة حقيقية، خصوصاً بعد فشل آستانة في تحديد مناطق «خفض التوتر» الأربع، فإن شريط المفاجآت يتوالى منذ أيام، حيث تبيّن حتى الآن، أن هذا الاتفاق كان قد نضج على نار هادئة في المحادثات التي جرت في عمان بين الأميركيين والروس وبمشاركة أردنية.

في أقل من أسبوع توافرت معلومات زادت من عمق المفاجأة، خصوصاً بعدما بدأت ترتسم ملامح شريط حدودي، يمتد من الجولان إلى حدود الأردن، ويذكّر بالشريط الحدودي الذي أقامته إسرائيل سابقاً في جنوب لبنان.

ويبدو أن هذا الاتفاق الذي قد يسفر عن قيام الشريط المذكور، جاء نتيجة طبخة جماعية كانت تجري منذ شهور قبل قمة هامبورغ، وفي سياق منفصل كلياً عن محادثات آستانة بشأن «مناطق خفض التوتر»، التي كانت روسيا وإيران وتركيا قد أعلنت عنها في 5 مايو (أيار) الماضي، لكنها فشلت في الاتفاق على حدودها، وانتهت جولة المحادثات الأخيرة التي عقدت في 4 و5 الشهر الحالي بتراشق الاتهامات في أسباب الفشل، الذي بدا أنه يتركّز على ترسيم الوضع في محافظة إدلب.

مجلة «فورين بوليسي» كشفت أن الاتفاق الأميركي الروسي الذي دخل حيّز التنفيذ يوم الأحد الماضي، ينطوي ضمناً على منع إيران وأذرعها العسكرية من التمدد الاستراتيجي من الجولان إلى الحدود الأردنية السورية، وأنه وُضع على قاعدة تلبية مطالب إسرائيل والأردن، بعدم السماح للقوات الإيرانية وحلفائها بما فيها «حزب الله»، بأن تقترب من مرتفعات الجولان والحدود الأردنية.

وكان فلاديمير بوتين قد لمح علناً إلى هذا في هامبورغ، عندما سأله جدعون كودس مراسل «معاريف» عن مضمون اتفاق وقف النار، إذ قال إن «هذا الاتفاق سيكون جيداً لإسرائيل»، وفي سياق شريط الإثارة كشفت الصحف الإسرائيلية يوم الثلاثاء الماضي، أن إسرائيل كانت طرفاً في المحادثات والمفاوضات بين الروس والأميركيين والأردنيين التي أسفرت عن اتفاق وقف النار.

أكثر من ذلك تقول رواية الصحف الإسرائيلية إن تل أبيب طرحت شروطها ومطالبها بشأن وقف النار على الروس والأميركيين قبل التوصّل إلى الاتفاق، وأن بنيامين نتنياهو طالب واشنطن بفصل المباحثات بشأن وقف النار في الجولان عن مسار محادثات آستانة، كما طالب موسكو بأن تضمن هي استبعاد إيران و«حزب الله» من منطقة جنوب سوريا لا سيما في هضبة الجولان وتخومها.

وإذا صحّت المعلومات التي سبق أن نُسبت إلى مصادر دبلوماسية على صلة بالمحادثات التي جرت في عمان، من أن الأردن اشترط إبعاد الميليشيات الإيرانية عن حدوده الشمالية نحو 30 كيلومتراً، فإن إسرائيل تطمح بأن يصل شريط الجولان إلى عمق 40 كيلومتراً شمالاً.

استمر مسلسل الإثارة عندما كشف موقع «ديبكا» الإسرائيلي المرتبط بأجهزة الاستخبارات، أن إيران وافقت على مضمون اتفاق وقف النار في سياق صفقة روسية أميركية، تتيح لها مواصلة نشاطها العسكري وضمان المعابر التي تريدها على الحدود السورية العراقية، وجاء في الموقع أن طهران أعطت موافقتها على الاتفاق، عبر مكالمة هاتفية أجراها وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو مع علي شمخاني الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني عشية قمة هامبورغ، وورد في الموقع أن موافقة طهران جاءت في إطار صفقة أميركية روسية.

المصادر الدبلوماسية تربط بين هذه المعلومات وتصريح المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي، الذي لم يرفض أو يعترض على اتفاق يحيّد الجولان، بل دعا إلى توسعة الاتفاق على وقف النار بين الأميركيين والروس ليشمل كل أنحاء سوريا، معتبراً أن هذا الاتفاق يمكن أن يكون مثمراً إذا تمت توسعته ليشمل المناطق الثلاث الأخرى التي نوقشت في محادثات آستانة.

لكن الواقع الميداني في البادية السورية بين إيران وأميركا، وتحديداً في المنطقة الممتدة من التنف إلى معبر البوكمال، يناقض الحديث عن قبول واشنطن إعطاء حرية المعابر للإيرانيين، والنظام السوري الذي يحس أن بساط الجغرافيا يسحب منه، وأن «مناطق خفض التوتر» قد تفتح الأبواب على الفيدرالية التي يدعو إليها بوتين صراحة، ما قد يوسّع الإطار وصولاً إلى التقسيم، عوامل توحي بأن تخريب الاتفاق ممكن!

على أساس هذا هناك شكوك عميقة في أن يصمد وقف النار، الذي سيكفل الروس الإشراف عليه، وهو ما ينطوي على إمكان أن يخلق مشكلة كبيرة بينهم وبين الإيرانيين، خصوصاً إذا نفّذ الأميركيون تهديداتهم بإقفال المعابر الحدودية بين العراق وسوريا في وجه طهران.

تقرير «فورين بوليسي» نقل عن دبلوماسيين أميركيين تساؤلات عما إذا كان الاتفاق قابلاً للتنفيذ حقاً، وما إذا كان الروس سيتمكنون من ضمان التزام إيران وأذرعها العسكرية والنظام السوري وقف النار، وهذه تساؤلات لها ما يبررها، بدليل أن وقف النار بدأ صباح الأحد الماضي، لكن النظام شنّ فجر الاثنين هجوماً واسعاً ضد فصائل المعارضة في السويداء قائلاً إنه يهاجم «داعش».

يقول التقرير إن الاتفاق يطالب بالحفاظ على الترتيبات الأمنية في مناطق سيطرة المعارضة من الجولان إلى الحدود الأردنية، ويشترط صراحة عدم تحرك الجيش السوري للسيطرة على هذه المناطق، ولأن هذا يفتح الباب على قيام أمر واقع قد يؤسس للتقسيم، فإن المحاذير من سقوط الاتفاق ستبقى قائمة.

خلال النقاشات بين الروس والإيرانيين والأتراك في آستانة، أشارت تقارير دبلوماسية إلى أن أنقرة لمحت إلى أنها تخطط لإطلاق عملية عسكرية في شمال غربي سوريا، تحت عنوان «درع العاصي»، هدفها إقامة شريط عازل بعمق 80 كيلومتراً وعرض 30 كيلومتراً، ويشمل مساحة من ريف حلب الغربي ومعظم محافظة إدلب، وإذا تذكرنا أن طهران تعمل للسيطرة على دمشق وريفها وعلى حمص وريفها الغربي وصولاً إلى الحدود اللبنانية، وأن دعم أميركا القوي لقوات سوريا الديمقراطية قد يعطي الأكراد مناطق واسعة، يمكن على الأقل رؤية تقطيع سوريا مثل قالب من الحلوى المجبولة بالدم والدمار.

يجب أن نتذكر الخريطة التي نشرتها قاعدة حميميم الروسية لتوضيح حدود المناطق المقترحة لمشروع خفض التوتر، لكي ندرك أن سوريا لن تعود سوريا قريباً على الأقل، النظام يسيطر على أقل من ربع الجغرافيا السورية ومساحتها 180 ألف كيلومتر، والمعارضة تسيطر على ريف حلب الغربي ومحافظة إدلب، ومناطق واسعة في أرياف حمص وفي درعا والقنيطرة، ومع تقطيع الجغرافيا أربع مساحات ودخول اتفاقات التهدئة يتم وضع حجر الأساس للتقسيم، بالأحرى وضع السكاكين على خريطة سوريا!