IMLebanon

عصام فارس.. إن عاد !

فاض به الشوق في الأوردة، وبدا الاحتمال اكثر، ضرباً من الجنون، فالاشتياق اعتلى وجنتيه ألقاً، واللهفة الى الوطن.. الى عكار.. الى المطارح والذكريات.. الى أهله والناس الطيّبين، سبقته تمهيدا لرجوعه.

هو هو، حمل هموم الوطن بأشفار عيونه، رافقته الى الغربة، حملا ثقيلا، وكلما ألمّ مصاب ببلده، كأنما هو المصاب وهو الجريح.

هو هو.. عصام فارس.

واذا كان البعض ينسى التاريخ، فان الذين عايشوه يعرفون من هو ذلك الشلح في أغصان الأرز.. من هو ذلك الصخر في أرض عكار.. من هو ذلك الإنسان الطيب الذي ذاع صيته على كل شفةٍ ولسان.. فعكار ارتقصت حجارتها فرحاً بعودته، وترابها الذي وطأه، ها هو اليوم يفترشُ الحنين لملقاه، ليطأه من جديد.. ولبنان، الذي هو عَلَمٌ من أعلامه، أحسَّ بنبض الحياة يرجع اليه.

هو هو.. عصام فارس.

نائباً لرئيس الحكومة على مدى عشرين عاماً ووزيراً، ونائباً، واجه كل أشكال العنف، وكان الحوار سمةً خوّلته كسب الأصدقاء، فكان مرجعاً للحلول المستعصية، وسبّاقاً الى خدمة الناس، فالوطن، ليس حجارةً وأرضاً فقط، فهو شعب وناس طيبون، وعمال ومزارعون وفقراء وعائلات تشقى وتتعب، حتى لا يهاجر أولادها الى الخارج.

رفض الصفقات، والعروضات المشبوهة، ولم يقبل أن يحيد قيد أنملة عن مبادئه، فحبّ الوطن، تجذّر منذ الصِغَر في قلبه وفكره وسلوكياته، ولم يكن ضنيناً بأي شيء ليرضي ضميره في خدمة بلاده، في خدمة شعبٍ، يكنُّ له كل الاحترام والتقدير.

عصام فارس.. هو هو.

بنى الجامعات، والمدارس، والنوادي الثقافية، وها هي جامعة البلمند، حجارتها شاهدة على ذلك، وها هي قاعة عصام فارس في جامعة الحكمة، خير دليل على أن الثقافة كانت لديه محور الارتكاز، واذا كنّا نريد بناء وطن، فعلينا بناء الأجيال الشابة فيه، على العلم والمعرفة والثقافة، على القيم والأخلاق، على التضحية والوفاء، فكم من دول انهارت بانهيار القيم فيها..

«إنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. فإن هُمُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا» (احمد شوقي)

هذا هو عصام فارس.. هو هو. وهكذا كان يقول.

لمن لا يذكرُه.. فليتذكّر زمناً قضاه في الحياة السياسية اللبنانية، وفي خدمة الشأن العام، فلبنان الوطن يتذكّر.. لبنانُ الدولة يتذكّر.. لبنان الإنسان يتذكّر.. لبنان البنى التحتية يتذكّر.. لبنان الفقراء والمساكين يتذكّر، لبنان الطبيعة الخلاّبة يتذكّر.. نعم، لبنان يتذكّر رجلاً عجنته الأيام، وخبزته السنون، فكان خميرةً واسماً لهذا البلد العظيم، كان مشعلاً للأجيال الشابة، التي كان له الفضل في تمهيد الطريق أمامها، لدخول معترك الحياة، وكل ذلك.. كان وساماً على صدره، في لبنان وفي بلاد الاغتراب، فلا غرَّته مناصب، ولا أغوته مراكز، ولا انحنى أمام الضغوطات، بل رفض كثيراً من الصفقات، كي يبقى اسمه في ذاكرة التاريخ، يُشرّف التاريخ، مهما تعاقبت الأجيال والسنون.

جغرافياً.. هو ابن عكار وابن الشمال، لكن أياديه الخيّرة، زرعت في كل مناطق لبنان خيراً، وبنَت مجداً، بَنَت حجراً وبشراً ومحبة.

عصام فارس.. هو هو.

لبنان، افتقد إليك دولة الرئيس، وافتقد الى بصماتك المترسخة في النفوس، الى الركن الصلب في الازمات، والرجل الرجل في الملمّات، وهو الآن يمرّ بأزمات حسّاسة، أقلّها قانون الانتخاب، فالرجالات الكبار، لا يتنحّون، ولا ييأسون، ولا يتخاذلون، وإن ناداهم الوطن، فهم قادة يملكون البأس والحكمة، فيا دولة الرئيس عهدنا بكم لم يتغيّر، وحبُّنا لكم لم يتغيّر، كنت العِصاميّ.. الفارس، والساحات تشهد لك، وها أنت اليوم عُدتَ دولة الرئيس، ونستطيع القول:

عصام فارس إن عاد!