IMLebanon

هل يتحمل الازرق والبرتقالي اجهاض «لبننة» التسوية

الخوف من «المجهول» مبرر بعد ان وصلت محاولة «لبننة» الاستحقاقات الداخلية الى «حائط مسدود»، ارتفاع حدة «الصراخ» بين طهران والرياض يزيد من خطورة الموقف ويبدد الامال بانفراج قريب يمكن ان ينعكس ايجابا على الساحة اللبنانية… لكن هل صحيح ان ثمة فرصة كانت سانحة لانجاز تسوية داخلية وفصل الملف اللبناني عن ملفات المنطقة؟ واذا كان هذا الامر متاحا من يتحمل مسؤولية اجهاض هذه الفرصة ووضع لبنان مجددا في «عين العاصفة»؟ 

اوساط سياسية تدور في «فلك» التيار الوطني الحر تؤكد ان «التيار البرتقالي» يعتقد ان الفرصة كانت سانحة لتجاوز «الفيتو» السعودي على «الجنرال» عون، باعتبار ان السعودية قررت الانسحاب من جانب واحد من الساحة اللبنانية، فأضعفت تيار المستقبل، انكفاء الرياض لم يؤثر على «حزب الله» بل احرج حلفاءها واضعفهم، وتبين ان السعودية لم تعد معنية بالمقايضة على الملف اللبناني لانها اكتشفت انه لم يعد «ورقة» يمكن الاستفادة منها فاختارت «الخروج من اللعبة»، خصوصا ان تيار المستقبل وعقب تحذيرات غربية بعدم المس بالاستقرار اللبناني، وبفعل موازين القوة المختلة في الداخل، لم يثبت جدارته في مواجهة ما تسميه السعودية بـ «المشروع الايراني»… وقد ثبت عمليا عقم الاستراتيجية السعودية، انهار تيار المستقبل بفعل الشح المالي، وانعدام الخيارات السياسية والرعائية البديلة، خصوصا ان الادارة الاميركية الحالية اختارت سياسة الانسحاب من المنطقة وضمنا لبنان… في المقابل تقدمت ايران باشواط وتوسع نفوذها في سوريا والعراق واليمن، اما في لبنان فقد حافظ حزب الله على تفوقه وترجم ذلك من خلال الاصرار على تأييده لترشيح عون…

وانطلاقا من هذه المعطيات، ثمة رأي في التيار الوطني الحر يقول بان حزب الله قادر من خلال ممارسة ضغوط على حلفائه في تقطيع الاستحقاق الرئاسي دون اثارة ازمة ميثاقية في البلاد، فبرأي هؤلاء يريد الرئيس الحريري من يخرجه من المازق الحالي دون ان يكون شريكا فيه كي لا يتحمل تداعياته، فانتخاب عون دون تصويت كتلته يشكل مخرجا قد يعيده الى رئاسة الحكومة، هو اكد اكثر من مرة انه سيغطي» ميثاقية» اي جلسة نيابية وسيؤمن الحضور السني، لكن دون ان يصوت «للجنرال»، وسيقبل النتائج وسيتعاون مع الرئيس الجديد مهما تكن هويته، ومن خلال هذه «المظلومية» يمكنه العودة الى رئاسة الحكومة «بقوة» الامر الواقع ودون الحاجة الى تسوية سعودية- ايرانية تبدو متعذرة… لكن هذا السيناريو يحتاج اولا الى ضغط جدي من قبل حزب الله على الوزير سليمان فرنجية كي يسحب ترشيحه لمزيد من اضفاء الشرعية المسيحية على عون، ومساعدة الحريري على التحلل من «عقدة» الخوف من المملكة… ثانيا يحتاج هذا السيناريو لكي ينجح، تواصل جدي مع رئيس مجلس النواب نبيه بري لكسر جليد علاقته المتازمة مع الرابية، وهذه المهمة يعتقد «العونيون» ان الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وحده القادر على انجازها..اما النائب وليد جنبلاط فهو لن يكون عقبة في طريق وصول عون الى بعبدا، وله تلميحات وكلام مباشر يوحي بذلك.

لكن هذه المعادلة «التبسيطية» للامور تصطدم بحسب مقربين من حزب الله، بعدم واقعية الافتراض «العوني»، فحلفاء الحزب سواء كان الرئيس بري او الوزير فرنجية، ليسو جزءا من الهيكلية التنظيمية للحزب، وعليه ليس بمقدوره اصدار «تكليف» سياسي يلتزم به هؤلاء، وتجربة التيار الوطني الحر غنية في هذا السياق، فحدود التصعيد الراهن لا يتناسب في توقيته مع مصالح حزب الله الذي يخوض غمار حرب عسكرية ومعركة سياسية «قاسية» في سوريا ويحتاج الى مناخ استقرار داخلي ريثما يتم تجاوز هذه المرحلة الدقيقة من عمر الازمة السورية، لكنه رغم ذلك لم يتدخل مع «الجنرال» لخفض منسوب التوتر ولم يستجب لمن طالبه  من الحلفاء بمحاولة «عقلنة» ردود فعل «التيار»… وقبل ذلك عندما اختار عون رمي احقاد الماضي وفتح صفحة جديدة مع القوات اللبنانية التي ما تزال «راس حربة» في المشروع المعادي للحزب، لم يتدخل احد مع «الجنرال» وتمت مباركة اي خطوة تزيد من قوة الحليف المسيحي وتعزز فرصه الرئاسية… هذا هو اسلوب تعامل الحزب مع حلفائه ولن يتغير، وهذا ما ابلغت به قيادات وازنة من المحيطين بالجنرال عندما سعت الى استشراف موقف الحزب ومحاولة دفعه لتغيير قواعد ادارته للملف الرئاسي، فكان الجواب واضحا في هذا السياق، الوزير فرنجية له حيثيته المستقلة وخياراته السياسية ولا يمكن ممارسة اي ضغوط عليه لتغيير موقفه، اما العلاقة مع الرئيس بري فلا يمكن ان يفكر الحزب بتعريضها لاي اهتزاز مهما كان حجمه، «البيت الشيعي» خط احمر وليس واردا «التلاعب» باستقراره، ومهمة التواصل مع «الحليفين» تقع على عاتق «التيار البرتقالي» الذي يحتاج الى تفعيل القنوات الحوارية لا قطعها، واعتماد خطاب «هادىء» بعيدا عن الاستفزاز لتذليل العقبات التي تشوب العلاقة مع الحلفاء…

وبرأي تلك الاوساط، فان التيار الوطني الحر وتيار المستقبل يتحملان سويا سوء ادارة الازمة، ما ادى الى عدم التقاط فرصة تمرير التسوية داخليا في ظل غياب الاهتمام الاقليمي والدولي بالازمة اللبنانية، «التيار البرتقالي» لم ينجح في تفعيل التواصل مع ما يفترض ان يكون معهم في «خندق واحد»، استمر في الرهان على تدخل لم يعده به حزب الله يوما، لم يقدم الى الرئيس بري ما يطمئنه في ادارة مرحلة ما بعد انتخاب «الجنرال»، مع العلم انه كان واضحا في كلامه عندما قال للوزير جبران باسيل «العدس بترابو وكل شي بحسابو»… كما استمر في «مناكفة» الوزير فرنجية ولم يعمل على محاولة استيعابه… في المقابل ظل تيار المستقبل مكبلا بهاجس الخوف من السعودية، لم يستفد من هامش تراجع اهتمام المملكة بالساحة اللبنانية، وبقيت عيون الرئيس الحريري شاخصة نحو المملكة بانتظار اشارات لم تأت، اختار عدم المبادرة كي لا يغضبها، يخاف من اي «دعسة ناقصة» تحسب عليه فتزيد من واقعه المأزوم هناك… 

ثمة مشكلة اضافية تضاف الى حالة «الذعر» من السعودية، مكابرة تيار المستقبل لا تلغي وجود انقسام بين جناحين، أحدهما يؤيد انتخاب الجنرال ميشال عون رئيسا للجمهورية وفقا لنظرية انعدام الخيارات، والآخر متمسك بمناورة ترشيح سليمان فرنجية لتقطيع الوقت بانتظار التطورات الاقليمية والدولية وفي مقدمها الانتخابات الاميركية، وقد وصلت التجاذبات الداخلية الى حد «التنافس» على الرضى السعودي لنيل جائزة رئاسة الحكومة، فالخلاف داخل تيار المستقبل تجاوز شخصية الرئيس الجديد لينصبّ على هوية رئيس الوزراء المقبل، باعتبار أن عدم نيل الرئيس سعد الحريري موافقة القيادة السعودية يتيح الفرصة لعودة الرئيس فؤاد السنيورة الذي يشعر ان وزير الداخلية نهاد المشنوق يشكل وحده عقبة امام عودته الى السرايا الحكومية… حزب الله حاول المساعدة فقدم «خشبة الخلاص» للحريري من مأزقه من خلال عرض موافقته المسبقة على عودته الى رئاسة الحكومة، لكن رئيس تيار المستقبل يخاف من غياب «المظلة» السنية الخارجية، وهو امر خسره في المملكة، ولم يتمكن من تعويضه في تركيا المشغولة بقضايا داخلية وخارجية على درجة كبيرة من الخطورة والحساسية… وهكذا اعاد «سوء» ادارة الملف ربط الازمة اللبنانية بطريقة غير مباشرة بالعلاقة الايرانية ـ السعودية التي تزداد تعقيدا، وهذا ما يزيد المخاوف من المجهول خصوصا اذا ما قررت الرياض العودة الى استخدام الساحة اللبنانية في الصراع مع طهران…