جميل السيد نائباً في مجلس النواب. يوم أمس، رأى أحمد الحريري نائباً يساوي 127 نائباً في البرلمان، وإن حاول سعد الحريري أن يشيح نظره عنه. أما هو، فقد بدا كمن ألف المكان من ألف مدخله إلى ياء كل من فيه
بخلاف زملائه، لم يصل النائب جميل السيد إلى مجلس النواب بسيارته الخاصة، بل قصده سيراً على القدمين، منتقلاً إليه من مكتبه في مبنى مكاتب النواب. بثقة عالية، صعد درج البرلمان، ملقياً التحية على الصحافيين، وفي يده ملف أخضر كبير الحجم. لعلها الملفات التي نقلها يوم جال في قرى البقاع الشمالي، واعداً الأهالي «بأن يكون صوتهم».
للواء جميل السيد حكاية مع مجلس النواب لا تشبه حكايات الآخرين. المدير العام السابق للأمن العام الذي «اعتُقل» وثلاثة ضباط آخرين في عام 2005، لنحو أربع سنوات، على ذمة التحقيق في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري وأُطلق سراحه بعد فضيحة شهود الزور، صار نائباً في برلمان عام 2018، وفي مقابله، يجلس رئيس الحكومة سعد رفيق الحريري. النائب الذي عادله الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري بـ127 نائباً في البرلمان، تقدم كل نواب لائحته بنتيجة فاقت 33000 صوت «أعطاني الناس أكثر، يعني حمّلوني أكثر».
المشهد في ساحة النجمة بدا أقل من عادي بالنسبة إليه. كثر قصدوه لإلقاء التحية. من بولا يعقوبيان التي أخذته بالأحضان، إلى هنري شديد وجورج عدوان وغيرهما من «الأصدقاء القدامى» من نواب تيار المستقبل. ليس في القول مبالغة ان غالبية من انتخبوا نواباً في السادس من أيار، عرفوا اللواء عن قرب يوم كان مديراً عاماً للأمن العام. جهاز، وفق صلاحياته، كانت له صولات وجولات في السياسة، فاعتبر آنذاك مديره العام بمثابة «المستشار السياسي لرئيس الجمهورية».
بدا جميل السيد داخل مجلس النواب كمن اختبر تفاصيله عن قرب. موظف الدولة الذي احتضنته مؤسساتها على مدى 37 عاماً (30 سنة في الجيش و7 في الأمن العام) لم يكن كأيِّ نائب جديد. بدا كأنه عايش المجلس النيابي من مكتبه. دخل القاعة النيابية الكبرى. جلس وإلى جانبه النائب عبد الرحيم مراد، تبادلا الحديث وحيث تعذر كانت النظرات إشارة للبيب كي يفهم.
بدأت مرحلة انتخاب رئيس المجلس ثم انتخاب نائبه وأميني سر المجلس، ثلاث مراحل وجب على النواب وضع الورقة داخل صندوقة اقتراع وضعت في وسط القاعة، وفي مقابلها، جلس الحريري. يبدأ التصويت تباعاً بأسماء النواب والأنظار كلها على الصندوق ومن قصده بهدف التصويت. «النائب جميل السيد»، يقول المنادي. يتوجه السيد للاقتراع فيشيح الحريري نظره كمن يتجنب أي تماس نظري مباشر معه، أشاح عينه ولم يشح نظره كلياً.
لا ينظر السيد إلى نيابته على أنها انتصار في السياسة، حقه في قضية الحريري الأب ناله يوم أُدينت الحكومة بقضية شهود الزور.
كان الحريري يشيح بنظره عن السيّد كلّما توجه الأخير إلى صندوقة الاقتراع
كانت المرة الأخيرة التي زار فيها البرلمان عام 2002 يوم حضر اجتماعات اللجان من موقعه مديراً عاماً للأمن العام، أما لقاءاته مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، فكانت تجري في عين التينة.
خلال عمله في مؤسسات الدولة، حمل سلاح القانون والصلاحيات، فقاتل فيهما بمحطات عديدة في الخدمة وواجه مؤامرة شهود الزور، وإلى مجلس النواب جاء حاملاً «سلاح الناس» ليكون السؤال في المرحلة المقبلة: كيف سيستعمل هذا السلاح؟
لجميل السيد فلسفته النيابية الخاصة. يوم ترشح لم يقم بزيارت فردية على الناخبين كي لا يفهم على أنه يستعطي أصواتهم التفضيلية، ولكن بعد انتخابه نائباً، بدأ جولاته على القرى والبلدات البقاعية. حمل مطالب وهموم من التقاهم وهمّ بها إلى مجلس النواب.
في اليوم الأول من سيرته النيابية، افتتح السيد عهداً جديداً في حياته السياسية، صار نائباً ممثلاً للأمة محصَّناً بثقتها. مشوار جديد في السياسة قد يشهد جولات وجولات ومناكفات. يوم اعتقل الحريري في السعودية كان للسيد موقف يقول إن موضوع استقالته ملتبس، مطالباً الدولة بالعمل على هذا الأساس، فجاءه من يسأله عبر «تويتر» عن موقفه ليجيبه: «اليوم مبدأ وغداً سياسة». غدا الحريري تحت مجهر السيد. لرئيس الحكومة أن يشيح نظره عنه بعض الوقت، لكنه لن يستطيع تغيير حقيقة أن جميل السيد صار زميلاً له في مجلس النواب.
من ملف : وداعاً 14 آذار!