IMLebanon

الجراح يختبئ خلف الحصانة

 

طلبت شركتا «جي دي أس» و«وايفز»، كل على حدة، من مجلس شورى الدولة قبول تدخلهما في الدعاوى المقامة من نقابة العاملين في هيئة أوجيرو والاتحاد العمالي العام ضد وزارة الاتصالات، والرامية إلى إبطال قرارَي وزير الاتصالات جمال الجراح الترخيص للشركتين بتمديد شبكات «فايبر أوبتيك» في الملك العام، والاستفادة منها على حساب الخزينة. وفيما وافق «الشورى» على طلبيهما، لا يزال الجراح يتسلّح بحصانته، رافضاً المثول أمام القضاء كمُستَمَع إليه

يوماً بعد يوم، تتأكد للرأي العام من جهة، وللمسؤولين السياسيين والإداريين والقضائيين من جهة أخرى، الأخبار الواردة عن جسامة المُخالفات التي تُرتكب في وزارة الاتصالات بقرار من الوزير جمال الجراح. فالقرائن الملموسة والمستندات الرسمية التي تظهر تُبيّن عمق الاعتداء على المال العام وأصول إنفاقه بسبب الممارسات غير القانونية التي يقوم بها الجراح.

 

وقد أصبح هذا الأمر يشكل إحراجاً ملموساً للجهة السياسية التي ينتمي إليها. رغم ذلك، خرج الوزير عن قواعد عمل الدولة، من خلال رفضه الرقابة النيابية، ووقوفه في وجه المدعي العام المالي القاضي علي إبراهيم، رافضاً المثول أمامه للإدلاء بإفادته بصفة مُستَمَع إليه. علماً أن دعوته جاءت من باب الاستفسار ومساعدة القضاء، للحديث عن قضية أثارها بنفسه، حين اتهم، في كتاب رسمي صدر يوم 25/10/2017، المدير العام لهيئة «أوجيرو»، عماد كريدية، بارتكاب جرائم جنائية، كهدر المال العام ومخالفة القانون واستغلال منصبه لغايات شخصية. وفيما تتوالى فصول هذه القضية أسبوعياً، لا يزال الجراح يتذرّع بحصانته النيابية والوزارية لعرقلة أي تحقيق قضائي جدي في التهم التي وجّهها إلى المدير العام. وآخر ما ظهر في هذا المجال، ما قاله الجراح عن استعداده لتلبية ما يطلبه المدعي العام المالي، خطياً.

هذه القضية متصلة بأداء الجراح الذي يشكّل خطراً على مستقبل هيئة «أوجيرو»، كواحدة من مؤسسات الدولة، يسعى الوزير إلى إطاحتها لمصلحة شركات خاصة. هذا الأداء ظهر جلياً في قراريه اللذين منح بموجبهما شركتي «جي دي اس» و«وايفز» حق تمديد شبكة ألياف ضوئية، في الملك العام، بما يتيح لهما تحقيق أرباح طائلة كان يمكن أن تصبّ في خزينة الدولة لو حُصر أمر تمديدها بهيئة «أوجيرو». وبعد أن تقدّمت نقابة عمال «أوجيرو» والاتحاد العمالي العام بمراجعات لدى مجلس شورى الدولة لوقف تنفيذ قرارَي الجراح وإبطالهما، تقدمت شركتا «جي دي أس» و«وايفز» منذ نحو أسبوعين، بطلبين من المجلس، تطلبان بموجبه قبول تدخّلهما في الدعاوى، إلى جانب وزارة الاتصالات.

 

 

حرب: الهدف هو ضرب

​«أوجيرو» والانتهاء منها

 

مجلس شورى الدولة، قبِل طلبَ «جي دي أس»، وكلّفها تقديم أجوبتها مع كافة المستندات المتعلقة بها، وإثبات علاقتها بشركة «داتاسات». فالترخيص الذي استند إليه الجراح لمنح «جي دي اس» امتياز تمديد الألياف الضوئية، صادر عام 1996 لشركة «داتاسات» التي تقول «جي دي اس» إنها هي نفسها، وإنها غيّرت اسمها قبل سنوات. وكلّف وزارة الاتصالات إيداع المجلس كامل الملف الإداري المتعلّق بالمراجعة الحاضرة، ولا سيما المستندات التي من شأنها أن تثبت تجديد الترخيص الممنوح للشركة (يؤكد طالبو إبطال قرار الجراح أن ترخيص العام 1996 لم يُجَدَّد بعد 5 سنوات من إصداره، وبالتالي، لا يمكن الاستناد إليه لمنح «جي دي اس» امتياز الـ«فايبر أوبتك»). كذلك كُلِّفَت النقابة العامة لموظفي وعمال المواصلات السلكية واللاسلكية الدولية في لبنان إيداع نظامها الأساسي والجهة المخولة قانوناً للتقدم بالمراجعة الحاضرة. وأيضاً وافق المجلس على طلب شركة «وايفز»، وأعطى الفرقاء مهلة عشرة أيام من تاريخ التبليغ للتنفيذ. فيما استغربت مصادر نيابية في لجنة الاتصالات قبول «الشورى» للطلبين، علماً بأن «المجلس لم يستطع منذ شهرين بتّ هذه القضية رغم المستندات الموجودة في حوزته». ورأت أنه «ليس منطقياً قبول الشركات الخاصة كطرف في هذه القضية».

وفي انتظار القرارات النهائية لـ«الشورى» لا تزال اللجنة النيابية للإعلام والاتصالات تشدّد على ضرورة بتّ هذه الدعاوى بنحو جدي وعاجل. ويصرّ رئيس مجلس النواب على إكمال المسار القانوني بهذه المسألة لاقتناعه بأن هناك مخالفة جسيمة، وتعدياً على صلاحيات مجلس النواب. ويُعدّ عدد من النواب، من مشارب سياسية مختلفة، ملفاً قانونياً بشأن «مخالفات الجراح»، بهدف تقديمه كسؤال للحكومة قد يتحوّل إلى استجواب.

وفي هذا الإطار، كرر النائب بطرس حرب​ أمس موقفه بأن «قرار وزير الاتصالات (امتيازا «جي دي اس» و«وايفز») غير ​قانوني ومخالف لكل المراسيم السابقة ولكل الأعراف، وبالتالي هو باطل ومنعدم الوجود ولا يجوز السكوت عنه واستمراره»، محذراً «من محاولة تغطية المخالفة، لأن هناك مستفيدين من هذه الصفقة». ورأى أنه «يفترض من ​مجلس شورى الدولة​ أن يبتّ الدعوى المرفوعة أمامه في هذا المضمار، وكل النواب والكتل السياسية يجب أن تعارض تصرف الوزير بملف يبلغ حجم أعماله عشرات مليارات الدولارات، من دون الاستناد إلى رأي أي استشاري في ​وزارة الاتصالات​». ورأى أن قرارَي الوزير يهدفان إلى «ضرب ​(أوجيرو) والانتهاء منها لتبرير تسليم (شبكة الفايبر) لهذه ​الشركة («جي دي اس»)».