IMLebanon

انتخابات لبنان: معركة صيدا ـ جزين تعيد خلط الأوراق

 

تبقى الدعوات لاستنهاض الشارع السني للإقبال بكثافة على صناديق الاقتراع مرهونة بحجم المشاركة في الانتخابات في 15 مايو (أيار) الجاري، الذي يسبقه اقتراع اللبنانيين المقيمين في بلاد الاغتراب، مع أن المبارزة الانتخابية في الدوائر ذات الثقل السنّي ما زالت متواضعة وإن كانت أفضل مما كانت عليه قبل أن تتكثف الدعوات لعدم مقاطعة الانتخابات التي بلغت ذروتها خلال عطلة عيد الفطر، وهذا ما ينطبق على دائرة جزين – صيدا التي بدأت تتجاوز الركود الانتخابي، في ظل احتدام المنافسة بين أربع لوائح تضاف إليها اللوائح المحسوبة على الحراك المدني والمنقسمة على نفسها، ما أفقدها القدرة على الدخول في مبارزة جدّية مع القوى التقليدية في هذه الدائرة.

ومع أن التهاني بحلول عيد الفطر تميّزت هذه المرة بتدفّق غير مسبوق للعائلات الصيداوية إلى دارة آل الحريري في مجدليون لتقديم التهاني بالعيد إلى رئيسة كتلة «المستقبل» النيابية النائبة بهية الحريري، فإنها لم تبدّل واقع الحال الانتخابي ولا موقفها بالتزامها بقرار رئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري بالعزوف عن خوض الانتخابات من دون أن يصدر عنها لدى سؤالها عن موقفها أي موقف يدعو للمقاطعة.

فالنائبة الحريري تحدّثت مع الذين حضروا لتهنئتها بالعيد بلغة واحدة، وكان في عدادهم المرشح يوسف النقيب الذي حضر مع أفراد عائلته، وهو كان لا يزال يدور في فلك الحريرية السياسية ويتّبع مرونة في حملاته الانتخابية ويتحدث في العموميات من دون أن يتطرّق إلى عزوف الرئيس الحريري، وهذا ما عكسه لدى زيارته وحليفته المرشّحة عن المقعد الكاثوليكي في جزين غادة أيوب أبو فاضل، المدعومة من حزب «القوات اللبنانية» لرئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة في مكتبه في صيدا.

فالحماوة الانتخابية في صيدا تبقى أفضل مما هي عليه في دائرة بيروت الثانية، وإن كان هناك مَن يرجّح أن وتيرتها ستعلو تدريجياً في الأسبوع الأخير الذي يسبق موعد إجراء الانتخابات، ما يسهم في تبديد الأجواء الضبابية المحيطة بواحدة من الدوائر الكبرى ذات الثقل السنّي التي تشهد مبارزة غير مسبوقة وتدور بين مشروعين؛ الأول يتطلع إلى استرداد الدولة المخطوفة من «حزب الله»، في مقابل المشروع الثاني الهادف إلى الدفاع عن سلاح الحزب وتحصينه في وجه الدعوات المطالبة بحصر السلاح بيد الشرعية.

وما ينطبق على الدائرة الثانية في بيروت سينطبق على الدوائر الأخرى في الشمال والبقاع والجبل ذات الثقل السني، فيما بدأ يكتمل المشهد الانتخابي في دائرة صيدا – جزين التي تشهد واحدة من أعنف المعارك على خلفية إحياء الصراعات التقليدية في عاصمة الجنوب مع تبدُّل خريطة التحالفات بتحالف النائب أسامة سعد والرئيس السابق لبلدية صيدا عبد الرحمن البزري من دون التقليل من الغياب الرسمي للحريرية السياسية عن المنافسة، في مقابل امتناع «الجماعة الإسلامية» عن الترشّح وللمرة الأولى منذ عدة دورات انتخابية سابقة من جهة، واشتداد الصراع بين الحليفين «اللدودين» النائب زياد أسود ورفيقه في «التيار الوطني الحر» النائب السابق أمل أبو زيد، رغم أن رئيس الجمهورية ميشال عون اضطر للتدخّل من أجل جمعهما على لائحة واحدة.

ويفترض أن تتوزّع المنافسة في هذه الدائرة التي تضم خمسة مقاعد نيابية (مقعدان للسنة عن صيدا ومقعدان للموارنة وثالث للكاثوليك عن جزين)، على 4 لوائح؛ الأولى مدعومة من تحالف الثنائي الشيعي ونبيل الزعتري.

والثانية يتزعّمها تعاون سعد والبزري مع مرشحين مستقلين، والثالثة يقودها «التيار الوطني الحر» المتحالف مع مرشحين من صيدا، فيما الرابعة هي حصيلة تحالف حزب «القوات» مع النقيب المدعوم من السنيورة، إضافة إلى 3 لوائح للحراك المدني، وبينها اللائحة الأقوى التي تضم هانيا الزعتري، وإن كانت جميعها تبقى خارج دائرة المنافسة ويتطلع مَن يترشّح عليها لاختبار قوته العددية.

وفي تقويم أولي للوائح المنافسة، لا بد من الإشارة إلى أن لائحة «التيار الوطني» تفتقد الحليف السنّي، وأن تعاونها مع البعثي السابق محمد القوّاص والقيادي السابق لـ«الجماعة الإسلامية» علي الشيخ عمّار لن يقدّم أو يؤخّر نظراً لحضورهما الرمزي في الشارع الصيداوي الذي يتحفظ على التصويت للنائب زياد أسود، الذي تحالف في الدورة السابقة مع البزري و«الجماعة الإسلامية».

إضافة إلى أن اللائحة تعاني من الحرب الدائرة بين أسود وأبو زيد لحصد الصوت التفضيلي، وكادت تندلع بينهما مشكلة على خلفية تشديد رئيس «التيار» جبران باسيل خلال زيارته لجزين على ضرورة الحفاظ على الأمل للمضي إلى المستقبل، ما اعتبرها الجمهور المؤيد لأبو زيد تأييداً له، ليعود باسيل ويتدخّل موضحاً لرأب الصدع بينهما، لأن جمهور أسود تعامل مع دعوته باستهجان.

فباسيل يحاول أن يعيد الاعتبار لحضوره في جزين الذي أخذ يتراجع، خصوصاً أنه يواجه صعوبة في إقناع حليفه «حزب الله» بتهريب رزمة لا بأس بها من مؤيديه الشيعة لعله يرفع من حظوظ لائحته في الحفاظ على موقعها في الخارطة الجزينية.

وبالنسبة إلى تحالف سعد والبزري، فإن خوضهما الانتخابات على لائحة واحدة بالتعاون مع مستقلين من جزين لا يعني عدم دخولهما في سباق للحصول على الصوت التفضيلي، خصوصاً أنهما لم يبادرا حتى الساعة للقيام بحملات انتخابية مشتركة ويعتمد كل منهما على قواه الذاتية بعد أن قال الثنائي الشيعي كلمته بضم منافسهما الزعتري على لائحته.

ورغم أن سعد والبزري يراهنان بعدم تحالفهما مع الثنائي الشيعي على كسب ودّ الناخب الصيداوي المناوئ لـ«حزب الله» وتحديداً مَن يدور في فلك الحريرية السياسية، فإن النقيب بمرونته وبانفتاحه عليها من دون أن يسمح لنفسه بالدخول في تحدٍّ معها يبقى الأوفر حظاً في تأييدها، وإن كان من يؤيدها من خارج التيار الأزرق لم يقل كلمته حتى الآن، فيما يتردد بأن «الجماعة الإسلامية» وإن كانت تترك لمحازبيها وجمهورها حرية اختيار مرشحيهم، فهناك مَن يرجّح أن تتوزّع الأصوات على النقيب وسعد والبزري، إلا إذا دخل الزعتري على الخط واستطاع الحصول على تأييد بعضهم.

وعلى صعيد الثنائي الشيعي، فإن مصادره تستبعد خروج «حزب الله» عن تأييده للائحة التي يتزعّمها النائب إبراهيم عازار وتجيير مئات الأصوات للائحة «التيار الوطني» بشخص أمل أبو زيد، لضمان تقدّمه على حليفه اللدود أسود، مع أن الرئيس عون وصهره باسيل لا ينزعجان من تأييده طالما أن لا علاقة لهما بقرار حليفه «حزب الله».

إلا أن «حزب الله» لن يجازف بأن يفتح على حسابه لئلا يفتقد مرشح «أمل» النائب عازار شبكة الأمان المطلوبة لانتخابه لدورة نيابية جديدة، وبالتالي هو مضطر لأن يتحسّب لأي مفاجأة تؤدي إلى إعادة خلط الأوراق اقتراعاً، حرصاً منه على توفير الحماية لتحالفه الاستراتيجي مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري.

كما أن الحزب ليس مضطراً لمشكلة مجانية تتجاوز تهديد علاقته بالرئيس بري إلى تعريض مصداقيته لاهتزاز في الشارع الصيداوي بذريعة أنه ينقلب على تعهداته ولا يفي بالتزاماته حتى حيال أقرب المقربين منه أي حركة «أمل».

وبالنسبة إلى تحالف النقيب وحزب «القوات»، فإن حليفته عن المقعد الكاثوليكي تتمتع بحضور في الشارع الصيداوي، ولا تنتمي إلى الحزب وكانت على تواصل مع النائب الحريري والمؤسسات العاملة في المجتمع المدني، إضافة إلى أن النقيب أحسن حتى الآن إدارة معركته وجاءت زيارته للسنيورة برفقة المرشحة أيوب بلا ضجة إعلامية، لأنه يقرأ جيداً لما للحريرية السياسية من حضور، وهو إن انسلخ عنها ترشُّحاً فإنه باقٍ بداخلها وهو يراهن على كسب تأييدها لما لديها من حضور فاعل في الشارع الصيداوي، وتبقى الكلمة الفصل لصندوق الاقتراع وما يمكن أن يحمله من مفاجآت تتعارض واستطلاعات الرأي التي تأتي بمعظمها «غب الطلب» وتؤمّن الخدمات السريعة للمرشحين، مع الإشارة إلى عدم تجاهل دور الحراك المدني في جزين.