IMLebanon

«حرب تمّوز» من خلف قضبان المعتقل السياسي (2/3)

«حرب تمّوز» من خلف قضبان المعتقل السياسي (2/3)

جميل السيّد والاحتمالات الثلاثة: حلّ شامل أو مفروض أو حرب أهلية

على مدى السنوات الأربع التي قضاها المدير العام السّابق للأمن العام اللواء الرّكن جميل السيّد في الاعتقال، كان الرجل يخوض حربه من خلف القضبان على طريقته. لم يكفّ عن إرسال المذكّرات القضائيّة والبيانات الصحافيّة حول ظروف اعتقاله والتّفاصيل القضائيّة والسياسيّة.

كان السيد حاسماً منذ البدايّة بأنّ قرار إدخاله إلى السّجن هو قرار سياسيٌ، تماماً كتعمّد القضاة في عدم الردّ على طلباته في إخلاء السّبيل.

ومع ذلك، استغرب السيّد اللقاء الذي عقده معه المدّعي العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا وتبعه لقاء مع المحقّق العدليّ القاضي الياس عيد في اليوم نفسه (27 تمّوز 2006). وما أثار الشكوك في نفسه، وفق ما يقول، إنّ الاجتماعين جاءا خلال احتدام معارك حرب تمّوز وأثناء ترجيح كفّة الحرب لمصلحة «حزب الله».

يروي السيّد أنّ هدف اللقاءين هو الاستماع إلى اعتراضاته على التّحقيقات وطلب الإفراج عنه بعدما قرّرت لجنة التّحقيق الدوليّة أنّ لا علاقة لها بالاعتقال، بل إنّ صلاحيّة الإفراج عنه هي في يدَيْ القاضيين ميرزا وعيد.

بالنسبة للسيّد، فإنّ اللقاءَيْن كانا يهدفان إلى «تبرئة القضاة لأنفسهم من تهمة اعتقاله تعسفيّاً والضبّاط الثلاثة الآخرين، وذلك تحسّباً لانتصار المقاومة على إسرائيل وإمكانيّة انعكاسها سلبياً على القاضيين».

ويشير إلى أنّه «بنتيجة اللقاء وعدم قدرة الياس عيد على تبرير الاعتقال، فإنّ الأخير يعطيه وعداً بالبتّ بطلب إخلاء سبيله خلال أسبوع إلى عشرة أيّام، بعدما اعترف له بأنّ ملفّه خالٍ من أيّ تهمة».

بعد 10 سنوات على حصول هذا اللقاء، يستذكر «اللواء» أنّ «عيد لم يلتزم بهذه المهلة إلّا بعد أشهر عدّة. وعندما حاول الإفراج عنه، بادر ميرزا إلى تنحية عيد بالتّنسيق مع رئيس محكمة التمييز آنذاك القاضي رالف رياشي وعيّن مكانه القاضي صقر صقر!».

ما إن عاد السيّد من قصر العدل إلى رومية، حتّى كتب محاضر اللقاءين، مثلما واظب على كتابة رؤيته لتفاصيل حرب تمّوز وتطوّراتها يومياً على صفحات مفكّرته لعام 2006. ويبدو أنّ «اللواء» كان قادراً على رؤية الأمور بطريقة أوضح إن من ناحية التكتيك العسكريّ الذي كانت تنتهجه إسرائيل في اعتداءاتها، أو لجهة الأهداف السياسيّة التي كانت تُطبَخ خلف الكواليس اللبنانيّة والخارجيّة، ومعها الضغوط الدوليّة على لبنان بشأن الحلول ووقف إطلاق النّار. فكان أن كتب السيّد في يوميّاته عن تصّوره للحلّ الذي أتى بعد أيّام قريباً جداً من القرار الدولي 1701، بالإضافة إلى رؤيته لمسار الأمور السياسيّة بعد حرب تمّوز.

في الحلقة الأولى، من هذه السلسلة، عرضنا لحقبة زمنية ممتدة مما قبل حرب تموز (11 حزيران 2006) وحتى الخامس والعشرين من تموز. في هذه الحلقة، وقفة عند بعض النماذج من يوميات اللواء جميل السيد المتعلقة حصراً بحرب تموز في أيامها الأخيرة.

 السبت 29 تموز

تطرأ على رأسي فكرة ضرورة أن يتمّ تجنُّب أن تلعب إسرائيل لعبة مقلوبة مع أميركا، فتضع الكرة في ملعب اللبنانيين وتناقضاتهم فتصبح اللعبة أكثر خطورة بالنظر للطروحات المتعددة: شعار سلطة الدولة وبسطها ـ شعار قرار الحرب والسلم ـ شعار إهداء النصر للدولة أم لسوريا وإيران ـ شعار الحرب على إيران ـ شعار الاصطفاف المذهبي العربي بوجه إيران في لبنان ـ شعار رايس أن وقف النار لم ينضج بعد ـ شروط استثمار الدولة لموقف المقاومة: صلابة المفاوض وصلابة المقاوم وليس سلاسة المفاوض وصلابة المقاوم. حقنا معنا (في قضيّة الاعتقال السياسيّ) وجرجرة بالوقت (من قبل ميرزا وعيد)، ولن تطول وليسا (ميرزا وعيد) أهمّ من الالمان واللجنة (الدوليّة). القضية محصورة مع عيد وميرزا. الثاني يضغط على الأول إرضاءً للسياسة. والأول محتار ومضغوط، ويقول عيد: «بملفي ما عندي شي (ضدّ السيّد)». بتقول بدّك شوية وقت (للإفراج عن السيّد)، شو بتعني؟ وقت لصالح مين؟ ما عندك تهمة، اذن كل وقت عم تجرجر فيه هوّي جريمة.

 الأحد 30 تموز

في طريق الصعود إلى الغرفة يتحدثون عن مجزرة في قانا اليوم، لا أعرف تفاصيلها. قانا دائماً تقع شهيدة كما في العام 96 حيث ما يزيد عن مئة شهيد بينهم أكثر من خمسين طفلاً.

إسرائيل بالطبع ترفض وقف إطلاق النار وتريد تحقيق شيء ما، نصرٌ على الأرض وهو مستبعَد بعد بنت جبيل، أو إرهاق لبنان حتى يصرخ «آمان». ويبدو أن المطلوب أن سمفونية أهل السياسة والحكم هي التي يجب ان تصرخ «آمان» فيصبح وقف النار مشروطاً ببنود عدة. حتى الآن الناس يتحمّلون أكثر من الرسميين في الحكومة اللبنانيّة. إسرائيل تضغط كي يستثمر أحدٌ ما في الداخل اللبناني هذا الضغط وتثميره مع المبادرة الأميركية. من يجرؤ على ذلك؟ على كل حال مجرد البحث بالتفاوض ستصبح اللعبة مكشوفة. أميركا لا يمكن أن تكون محايدة في أيّة مبادرة تشمل إسرائيل. الرغيف لهم والفُتات لنا. هذه هي العدالة الأميركية المعتادة في الشرق الأوسط.

الآن أكملت إسرائيل رسم الدوائر حول المناطق الشيعية وقطع أوصالها مع الداخل وقطع أوصالها مع سوريا، وإبقاء خط تواصل واحد بينها وبين الداخل.

 الاثنين 31 تموز

إسرائيل أعلنت هدنة جوية لمدة 48 ساعة. وتهدّد بعملية برية ضمن مهلة عشرة أيام إلى أسبوع، بينما تقول رايس إنها مع وقف النار وقوات دولية على الحدود. خلاف دولي على تفاصيل القوة الدولية، وسيكون هنالك خلاف محلي، كون لا أحد يقبل بقوة لا تكون تابعة للأمم المتحدة وإلا سينفتح باب مثل العراق (قوّات متعدّدة الجنسيّات ومقاومة). سيوضع في لبنان هدف للأصولية، كأنك ركّبت سيبة رمي وعم تعزم عليها تنظيم القاعدة. البلد أمام 3 احتمالات: حلّ شامل بما فيه الوضع الفلسطيني وهذا غير وارد لعدم قبول إسرائيل. حلّ مفروض من دون شبعا والأسرى هو مشروع سترفضه المقاومة. الحل الأخير: تصعيد سياسي (من 14 آذار) لاستثمار الضربة الإسرائيلية وقلب الطاولة الداخلية هو مشروع حرب أهلية.

 الأربعاء 2 آب

في رسالتي المساء.. أشرت إلى الخطة الإسرائيلية في عزل المناطق الشيعية. والباب الوحيد أمام إسرائيل هو هجوم بالعمق، وإذا لم تكن مستعدة للخسارة في الأرواح فلن تنجز شيئاً. اليوم الحادي والعشرون والمقاومة بالزخم والصمود نفسهما. أعرف بعد الظهر أنّ المقاومة قصفت بالأعنف والأبعد منذ بدء القتال. اليوم 200 صاروخ بلغت جوار تل أبيب قرب جنين والضفة. هدّدوا بقصف بيروت. قلت لـ(..) لن يقصفوا بيروت ويجب الانتباه من ثغرات الضاحية الليلة. المشكلة أنّ أميركا وإسرائيل واحد. هناك (في أميركا) إسرائيل الكبرى، وهنا (في إسرائيل) أميركا الصغرى. هذا هو المبدأ. إذا خسرت إسرائيل هنا بالحرب تحصل على 10/9 بالسياسة بفضل أميركا، ونحن (نحصل على) 10/1. وإذا ربحت إسرائيل بالحرب تأخذ 10/10 (بالسياسة) ونحن صفر/10. هذه هي العدالة الأميركية في الشرق الأوسط. (السفير الأميركي في الأمم المتّحدة آنذاك جون) بولتون يقول إنّه لا يمكن مقارنة الدم اللبناني بالدم الإسرائيلي في هذه الحرب! كلام عنصري مقيت. هو نفسه الذي كرّمه وفد 14 آذار وأقاموا له حفلة منذ شهرين وسلّموه درع الأرز كصديق للبنان. أي صديق؟!

 الخميس 3 آب

أكدتُ بالأمس عدم قصف بيروت، لكن الضاحية. لم تستطع إسرائيل التقدم في عمق المحاور الجنوبية. المصري والإيراني والفرنسي والأردني كلّهم مروا إلى لبنان باليومين الماضيين. حكي بحكي. سوى اعتراض إيران على القوة المتعددة الجنسية وكذلك سوريا ولحود والحزب. وهذا طبيعي. ارتفع صوت (رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد) جنبلاط و(رئيس حزب «القوّات اللبنانيّة» سمير) جعجع أمس عن القوة الدولية؟!

(الأمين العام لـ «حزب الله») السيد حسن نصرالله خرج ليلاً إلى التلفزيون. قلتُ ظهراً لـ(..) أن لا يشغلوا بالهم بالتهديد بقصف بيروت، لأنّ بيروت مقابل تل أبيب. مساء قالها السيد حسن، وعرض وقف (النّار) غير معلَن: أوقفوا نُوقف. ولبنان لن يكون من ضمن الشرق الأوسط الجديد. خيارات إسرائيل بتحقيق نصر عسكري قبل وقف النار لاستثماره سياسياً أصبحت ضيقة جداً، إما عملية بالعمق واحتلال شريط في الجنوب قبل وقف النار، أو قتل أو خطف أحد رموز المقاومة الكبار بعملية مخابراتية أو عملية إنزال ذات مغزى.

 الجمعة 4 آب

ليلة رهيبة منذ منتصف الليل قامت القيامة حتى الساعة الثامنة صباحاً. لا أعتقد أن أحداً نام هنا. اعتقدت أن القصف من الضاحية، لكن تبيّن أن قسماً منه في الضاحية والأوزاعي، والقسم الأكبر على الجسور من المعاملتين إلى المدفون وكنت أسمعها كأنها هنا. بالتأكيد يريدون خطف شخصية دسمة من حزب الله أو على الأقل تحقيق إنجاز ميداني بالجنوب قبل وقف النار حتى لا يكونوا في موقع المهزوم. أثارتهم القتلى الثمانية أمس ثم خطاب السيد نصرالله ليلاً حيث جعلهم موضع سخرية في الحماقات التي ارتكبوها. تستمر محاولات خرق المحاور في الجنوب من الغرب إلى الشرق لتحقيق مواقع تمركز.

 السبت 5 آب

أزيز طائرة الاستطلاع طوال الليل، الأمور معقدة في مجلس الأمن بين أميركا وفرنسا، وما بينهما إسرائيل مرتاحة بالوقت لتحصيل إنجازٍ ما. لم تستطع حتى الآن تنفيذه. لم يبق أمامهم سوى إما العملية البرية المحدودة في الجنوب أو اصطياد أحد رموز المقاومة بعملية خاصة. والموضوعان يكلّفان مخاطرة بشريّة لا أدري إذا إسرائيل مستعدة لها. بعد منتصف الليل بين 4 ـ 4.30 اسمع أربع هبجات على الضاحية. المقاومة أمس لم تقصف حيفا ربما أدى ذلك إلى تهدئة غير معلنة وحصر الأمور بالجنوب وبالصيد المتقطّع في الداخل.

الأسبوع الأول من الشهر الأخير الذي تنطبق فيه السنة علينا (في الاعتقال). يريدون (القضاء و14 آذار) الجرجرة بالاعتقال حتى إشعار آخر. سنقاتلهم إلى آخر لحظة في هذا القضاء العظيم. يستغلون ظروف الأحداث، معليش، إن غداً لناظره قريب.

أيّ حل سياسي في مجلس الأمن سيغلّبون فيه مصلحة إسرائيل حتى ولو لم تكن بوضع عسكري يسمح لها بفرض شروط. تماماً كما بعد انسحابها عام 2000. حمل (تيري رود) لارسن إلينا الطلبات: خروقات على طول الحدود ـ رفض البحث بشبعا ـ رفض تسليمنا خرائط الألغام ـ طلب نشر الجيش ـ طلب إبعاد المقاومة عن الحدود، عدم الالتزام بمنع الخرق الجوي للخط الأزرق – عدم الرغبة بمناقشة موضوع الأسرى. كلها بقيت أموراً عالقة إلى أن اخترعنا صيغة الدوريات المشتركة (أمن داخلي ومخابرات الجيش اللبنانيّ) على الخط الأزرق، ومعادلة عمق بعمق وشبعا بشبعا. وبقيت هذه الصيغة لسِتّ سنوات، وأسقطها الشرق الأوسط الجديد والحرب على الإرهاب وحجَّة أسر الجنديين.

 الأحد 6 آب

متابعة التفكير بالوضع وصعوبة التسوية السياسية. فهمت من البعض (أنّه جرى) توصُّل إلى تسوية لا علاقة لها بالنقاط السبع الخاصّة بالحكومة. تسوية أميركية ـ فرنسية أكيد ستقبلها إسرائيل، لسبب بسيط، أنّه في مثل هذه التسوية وقبل إطلاقها علناً تكون إسرائيل شريكة ومستشارة مسبقاً بأي تفصيل، أمّا نحن (في لبنان) فيفاوضون عنّا وفقاً لكلامنا المزدوج (حكومة الرئيس فؤاد السنيورة) في الكواليس، ثم يحاولون رمي الأعباء علينا للقبول. أكيد هذه التسوية المرفوضة في لبنان ستقترن بضغط إسرائيلي ميداني، تَصويرنا في موقع المعرقلين لها والرافضين لوقف النار. أكيد إسرائيل لا تقبل (بإعادة) شبعا ولا بالتبادل (الأسرى)، ولا بالتراجع للحدود، ولا تقبل بتسليم خرائط الألغام، وبالتالي لا تقبل بوقف رسمي للنار إلا على أعتاب القوة الدولية والقرار الواضح لدورها باتجاه تجريد حزب الله. الغرب وإسرائيل لا مصلحة لهم بمنح انتصار سياسي لحزب الله بعد هذه المعركة، سواء بما يتعلق بشبعا أو بالأسرى أو بالتراجع للحدود أو بوقف النار. الغرب وإسرائيل يريدون طريقة لجلب لبنان بالقوة إلى معسكرهم بناء لفريق (14 آذار) يتّكلون عليه في الداخل. أخشى ما أخشاه ان تؤدي خلوات (وزيرة الخارجيّة الأميركيّة آنذاك كوندوليزا) رايس وجماعتها و(مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد) ويلش وغيره مع بعض الحكومة (اللبنانيّة) إلى إقناعهم بالضغط العسكري لصالح التسوية الجديدة مقترنة بأصوات تطالب برفع المأساة عن لبنان وإظهار العرقلة إيرانية ـ سورية. لم تنتهِ الأمور بعد، لعلها بدأت الآن. ماذا فعل ديفيد ويلش؟ اجتمع بـ(رئيس الحكومة آنذاك فؤاد) السنيورة مرتين بالليل ورسمياً ثاني يوم وبينهما مع (رئيس مجلس النوّاب نبيه) بري ثمّ مع 14 آذار. حسب معرفتي بالأمور كما يلي: أي إنجاز لحزب الله في الجنوب هو انتصار على إسرائيل، وسترفضه مع حلفائها. ستقول اميركا وفرنسا لحلفائها (في لبنان) إذا تركتموه (لحزب الله) يحقق إنجازات على إسرائيل فكيف ستحكمون لبنان بعد ذلك؟ هل نسمح له (لحزب الله) بالانتصار عليها وبالتالي علينا وعليكم؟

انتصاره (الحزب) عودة لسوريا ولإيران (إلى لبنان) وأنتم انهزمتم إلى الأبد. لذلك سيشهد البلد تراجعاً واضحاً عن النقاط السبع لصالح الميوعة مع تصريحات من الداخل اللبناني (حكومة السنيورة و14 آذار) متزامناً مع تصعيد إسرائيل جنوباً وبقاعاً.

 الاثنين 7 آب

الحالة على تأزّم متصاعد عسكرياً ودبلوماسياً، وبحسب مالك الذي مرّ صباحاً، بدأت أصوات الداخل تتناغم مع الطرح الأميركي الفرنسي في تراجع ضمني عن النقاط السبع: (النائب مروان) حمادة و(سمير) جعجع… بحجّة أننا لا نستطيع مواجهة المجتمع الدولي ومجلس الأمن (بالنهاية مجلس الأمن هو أميركا وإسرائيل عملياً)، وبحجّة أنّنا لا نستطيع الاستمرار طالما لا نتوقع العون من أحد، وعلينا أن نقبل بما هو مطروح علينا مع تعديلات طفيفة. بالمقابل بري والحزب و(العماد ميشال) عون يرفضون الورقة الفرنسية الأميركية. الحكومة والسنيورة بالعين والموسى. لا أعتقد أنها (الحرب) ستقف عند حد قريباً إلّا إذا تصعّدت أو ربما امتدت إلى مواجهة بين إسرائيل وسوريا وإيران. عندها، هذا الخطر، قد يدفع الدول الكبرى إلى إعادة الحسابات خوفاً من إغراق المنطقة بالمزيد. هذا هو القرار 1559، وكما توقعت، لبنان مطلوب انتقاله من استراتيجية لأُخرى، وهذا كلفته عالية جداً جداً على لبنان والجميع.

 الثلاثاء 8 آب

وفد من وزراء قطر والإمارات و(الأمين العام للجامعة العربيّة آنذاك عمرو) موسى إلى نيويورك لأجل الورقة الأميركية ـ الفرنسية والنقاط السبع. مجلس الأمن بضغط أميركي – فرنسي سيحاول أن يُعطي كل المكاسب السياسية لإسرائيل تحت عنوان استراتيجي غربي وإقناع العرب و14 آذار به، وهو أنّ أيّ إنجاز سياسي يُعطى لحزب الله هو نصر للمحور السوري الإيراني حتى ولو كان وقف النار او الانسحاب للأزرق او شبعا او الخرائط أو الأسرى. لذلك أعتقد قرار مجلس الأمن سيكون: الخط الأزرق ووقف العمليات وليس النار، الخرائط، ولكن ليس شبعا ولا الأسرى. وسيكون عجيبة أن يقبلوا بشبعا او بالأسرى. يعتبرون أن حربهم هي ضد إيران وسوريا، والحزب بنظرهم تابع لهم، وهذه أيضاً وجهة نظر 14 آذار والحكومة. لذلك تقترب الفضيحة اللبنانية من الانكشاف.

 الأربعاء 9 آب

استشهاد (ابنة شقيقة اللواء جميل السيّد) زينب وعائلتها

أصوات عميقة في الضاحية بعد السابعة. تأزّم في الجنوب واحتدام معارك، بالتزامن مع انعقاد مجلس الأمن. وقرار غربي إسرائيلي بالتصعيد لإلغاء أي استثمار سياسي أبعد من وقف العمليات العسكرية من دون انسحاب. واضح منذ البداية أنه عندما يحين موعد السياسة فلن يسمحوا بترجمة مكاسب سياسيّة لصمود حزب الله. فقط في استراتيجيتهم تنفيذ القرار 1559 بالقوة أو بالسياسة بعد القوة.

تحضر سوسن وسارة ظهراً، أشعر أنها مربكة، اطلب منها إخباري، تقول العوض بسلامتك زينب قتلت في قصف (إسرائيليّ في) مشغرة ليلاً مع زوجها وعائلته. لا حول ولا قوة إلا بالله إنّا لله وإنّا إليه راجعون. هذا كل ما أستطيع قوله. لا أكثر ولا أقل. العجز شعور قاتل، ودواؤه الإيمان والصبر. أقول إرادة الله. أتكلم مع عواطف والحجة. لا تزال تحت الأنقاض. ثم بعدها تقول عثروا عليها. ثم لاحقاً، لا تزال تحت الأنقاض. أجري اتصالاً مسائياً مع (مدير الدفاع المدني العميد المتقاعد) درويش حبيقة وطوني أبو زيدان والدفاع المدني لأنهم بحاجة لبوكلين (للبحث في الأنقاض). لا نملك سوى الدعاء لله للطف بنا وبها. وأنا في مكتب الضابط بعد الثامنة أسمع صوت السيد حسن على التلفزيون الخارجي. يُلقي كلمة. أفهم لاحقاً أن والش جاء بزيارة سريعة وان إسرائيل صعّدت جنوباً بالتزامن. لا يريدون شيئاً من النقاط السبع، لا شبعا ولا الأسرى ولا غيرها. الخطأ كان بأن لبنان قدّم عروضه مُسبقاً، وقرار إرسال الجيش (إلى الجنوب) جيد بالمبدأ، لكن الإيحاء بأنه اتُّخذ عن ضعف سيُطمع إسرائيل بالحصول على كل الأثمان بالضغط العسكري، بحيث لا يبقى بين أيدينا أي مكسب سياسي. هي تخسر الحرب وتربح السياسة بفضل أميركا والدعم الدولي ونحن نصمد بالحرب ونخسر بالسياسة.

 الخميس 10 آب

مساء قصف على الضاحية. السيد حسن كانت له كلمة أمس، طالباً صمود الحكومة، وموافقة على دخول الجيش إلى الجنوب، وإبراز عدم كون هذه الخطوة نكسة. بدأت أصوات من جعجع وجنبلاط وإعلام 14 آذار: بداية إظهار نَفَس أن الطاولة تنقلب (على حزب الله)، بينما فريق تيّار المستقبل حذر. وبالنسبة لمجلس الأمن واضح أن أميركا لا تريد أن تدفع إسرائيل أي ثمن. خطّتهم: نشر الجيش والقوات الدولية وانسحاب كامل للحزب شمالي الليطاني مقابل الانسحاب الإسرائيلي، إلى الحدود فقط، من دون تبادل أسرى ولا شبعا ولا غيرها، حتى من دون وقف نار. اليوم يطرحون انسحاباً على مراحل، وكل مرحلة اختبار. فن تحويل الهزيمة (الإسرائيليّة) إلى نصر سياسي، وأميركا تلعب صولدها. وفرنسا مرة مع أميركا ومرة مع الحياد ومرة مع صيغة أخرى. أميركا وإسرائيل تقومان بخطتهما على الأصول، وفرنسا تعيش ردات فعل من هنا وهناك. وآخر طرح من عندها قوات فرنسية مع الجيش اللبناني. الموضوع رهْن بصمود المقاومة. روسيا طلبت هدنة إنسانية 3 أيام، ورفضت إسرائيل. كباش طويل عريض وأميركا تتكل على الوضع السياسي الموالي لها في لبنان (كي تهزم حزب الله سياسيّاً).

 الجمعة 11 آب

أذكر في الأيام الماضية (1990ـ2005) كان سقف الحُكم (في لبنان) متجانساً كلياً مع سقف المقاومة، لكن مع بعض خروقات غير مؤثرة. لذلك كانت إسرائيل عندما تضرب ومعها أميركا، فإنها لم تكن تجد معها السقف الداخلي للاستثمار، وبالتالي كانت تتوقف عند حدود معينة وكان الحل السياسي عموماً لصالحنا: بالعام 2000 بمفاوضات الانسحاب، بالـ96 بمفاوضات تفاهم نيسان، بالـ93، وفي كل تلك التواريخ كانت السياسة اللبنانية الرسمية مقفلة أمام الاستثمار الإسرائيلي. اما اليوم فالوضع مختلف والمقاومة تحظى بغطاء شكلي من الدولة، شكلي فقط. أما الأغلبية (في الدّولة) فمع الـ1559، لكن لا تستطيع المجاهرة او الانقلاب الوقح من خلال استثمار الذراع العسكري الإسرائيلي. لذلك فإن الخطر الأكبر من الانقسام الداخلي. الآخرون لديهم مشاريع مختلفة ضمن 14 آذار، مستعجلون لنقل لبنان إلى الفلك الدولي الجديد في المنطقة، ولا يمكن لنا ان نكون جزيرة في هذا الوضع. المهم أن يحصل الوعي.

 السبت 12 آب

هدوء نسبي في الليل تحوّل إلى غارات جوية مع الصباح لمدة ساعة في الضاحية وعكار والبقاع، وإعلانات عن بدء هجوم بري واسع رغم قرار مجلس الأمن. بعض نقاط هذا القرار: وقف العمليات الهجومية لإسرائيل (ترك المجال لها للدفاعية حسب مزاجها)، وقف كامل من الحزب، إعادة الأسرى لإسرائيل، قوة دوليّة جديدة، جيش لبناني معها حتى الليطاني ومنطقة عازلة من السلاح، لا كلام مباشر عن تجريد الحزب ولكن (كلام عن) سلطة الدولة وبسطها في البقعة. شبعا لا كلام مباشر سوى تكليف الأمن العام خلال شهر تقرير. وقف إطلاق النار لا كلام مباشر. انسحاب إسرائيلي تدريجي دون مهلة تسليم خرائط الألغام. إعمار وعودة نازحين. حظر استيراد الأسلحة للميليشيات. درس موضوع الأسرى اللبنانيين من قبل (الأمين العام للأمم المتّحدة آنذاك كوفي) أنان لاحقاً. لا كلام عن اللاجئين الفلسطينيين. قوات الأمم المتحدة تمارس مهامها بالتنسيق مع السلطات اللبنانية والإسرائيلية (كيف تنسق لمهامها في لبنان وليست منتشرة لإسرائيل). لا ذكر للفصل السابع، ولكنها تفصيل لمهمات القوة بما يقارب الفصل السابع… باختصار المطالب الإسرائيلية واضحة ومحددة (في قرار مجلس الأمن) مع إبهامات مقصودة تتيح حرية المناورة لإسرائيل، يقابلها إبهام حول تحديد النقاط السبع مع تقييد لبنان والمقاومة بخطوات محددة. هذا الأسلوب المقترن بالضغط الميداني هدفه نقل كرة النار إلى الملعب اللبناني بين المقاومة وفريقها من جهة والحكومة وفريقها من جهة أخرى. المهم عدم الانقسام.

 الأحد 13 آب

استمر القصف لليل ثم هدأت وعاد الطيران صباحاً، ولا يزال طيلة النهار، لكن هدأت الأمور عند الليل ولا قصف ليلاً. أستعرض الأمور. الخلاصة، الأمور أصبحت في الملعب اللبناني، المواقف معروفة. لا مصلحة لأحد بالتصادم، ولكن السؤال الى متى يصمد التخابث. الفروقات شاسعة بين 14 آذار والمقاومة. إسرائيل فسّرت (القرار 1701) لمصلحتها ونحن نفسّر القرار 1701 لمصالحهم. بالنسبة للكثيرين يعتبرون القرار 1701 هو الشق التنفيذي للقرار 1559 بالذراع الإسرائيلية. أحتار ماذا سيعملون عندما يصل الموضوع لانتشار الجيش وسحب سلاح المقاومة؟! أو عندما سيطالبونهم باستحقاق شبعا. قالوا هذه أمانة سيحلّها كوفي أنان؟ مين حاسب حسابو (لأنان). مطران على مكة وعارف حالو. العالم بأُمرة اميركا. مختصر مفيد. حتى فرنسا. أفكر في قضاة لبنان وما فعلوه معي. ألْمس لمس اليد الزعبرة والضعف والتآمر في لعبة الوقت. أعرف مَن خَلْف مَن. ومَن اشترى مَنْ وباع مَنْ. لن يمنعني ذلك من القتال على جبهة القاضيين (ميرزا وعيد) وعلى جبهة اللجنة الدوليّة التي أظهرت موضوعية وأخلاقاً أكثر من اللبنانيين.