IMLebanon

استراتيجيّة «يا ربّ السترة» الجنبلاطيّة لا تقنع أحداً

يحاول النائب وليد جنبلاط تحييد الدروز عن حربٍ يراها بين السنّة والشيعة. لا أحد يعرف إن كانت لدى البيك خطة «ب» في حال فشلت دعوات العودة إلى الإسلام، لكن الدروز بدأوا بخطّة تشبه تلك التي لدى الدروز السوريين

لا يزال صدى «الدعوة» التي وجّهها النائب وليد جنبلاط إلى الموحّدين الدروز في لبنان لـ«العودة إلى الإسلام» يتردّد في قرى عاليه والشوف ووادي التيم، ويتعداها إلى سوريا وفلسطين والمغتربات. وعلى عكس المرّات السابقة، حين ينقل جنبلاط البندقية من كتفٍ إلى كتف، لم يجد المبرّرون (على قلّتهم) هذه المرة الشيء الكثير لقوله، فيما تعلو اعتراضات المشايخ الجنبلاطيين قبل غيرهم.

ولا شكّ أن من السطحية مقاربة دعوة جنبلاط «الفاقعة» من زاوية دينية. عارفو الرجل «لا يقبضون» أن يكون قد دعا حقاً الى رفع المآذن وأداء الفرائض، فيما هو «لا يقبض التديّن برمّته»، ويدعو الدروز دائماً إلى الانفتاح، ويمارسه قبلهم. ما يردّده عددٌ من المشايخ البارزين في جرد عاليه والشوف وخلوات البياضة أن «دعوة جنبلاط لم تكن في محلّها»، ولا تخدم سياسة «الاستتار بالمألوف»، بل «تثبّت نظرية الجماعات التكفيرية بأن الدروز ليسوا مسلمين، حتى أنها تراعيها، وتنافي التمسّك بالتنوّع في الإسلام نفسه». ويتقاطع هؤلاء على القول: «لجنبلاط حريّة الحديث في السياسة إلى أبعد الحدود، ونحن لا نتدخّل في عمله. فليضع الدين جانباً. لم نبق دروزاً طوال هذا الوقت حتى نغيّر الآن».

للأمانة، لا يقف كثيرون عند كلام جنبلاط في حدّ ذاته، مع أن ما شعر به غالبية الموحّدين يقارب حدّ الإهانة، ليس بسبب الدعوة لـ«العودة إلى الإسلام» الذي لم يخرجوا منه، بل لأن الدعوة بدت إنكاراً أكثر منها تبشيراً.

فعلى قلّة المبرّرين داخل الطائفة، وانخفاض أسهم نظرية «البيك يعرف ماذا يفعل وكيف يحمي الطائفة»، تجد المبرّرين من الخارج يشرحون حجم المأزق الذي يمرّ به جنبلاط، والدروز بشكلٍ عام. وإذا كانت غالبية الدروز السوريين حسمت أمرها إلى جانب الجيش والرئيس السوري بشّار الأسد، لأسباب تاريخية وفكرية ووطنية، فإن ممارسات الجماعات التكفيرية، ولا سيّما تلك التي توصف زوراً بـ«المعتدلة»، قد أسهمت إلى حدٍّ كبير في تثبيت اقتناع الدروز السوريين، ووضعت الدروز اللبنانيين على السكّة نفسها في المقلب المعادي للتكفير، فيما لا يزال جنبلاط حائراً.

الأخبار الآتية من القرى الدرزية في الجنوب والبقاع والجبل لا تتناسب مع الرغبة الجنبلاطية الحقيقية بعدم حمل السلاح. وهذا ليس حكراً على أخصام جنبلاط من اليزبكيين والقوميين وأنصار الوزير السابق وئام وهّاب.

حركة المشايخ

باتجاه التسلّح قطعت شوطاً لا بأس به في التنظيم والانتشار

فحركة المشايخ باتجاه التسلّح قطعت شوطاً لا بأس به في التنظيم والانتشار، وهم يملكون ما يكفي من المال الذاتي ووسائل التحشيد، فتراهم في طور البحث عن الأسلحة «المتوسطة» حالياً، بعد تأمين كمية لا بأس بها من السلاح الفردي، فضلاً عن أن الاشتراكيين أنفسهم لا يوفّرون جهداً للتسلّح وممارسة الحماية الذاتية في القرى، مع أن مصادر رفيعة في قوى 8 آذار والحزب الاشتراكي على حدٍّ سواء تؤكّد أن التسليح عند الاشتراكيين يتمّ من دون قرار رسمي من جنبلاط. وبالمناسبة، فإن التنسيق على الأرض بين الاشتراكي وأخصامه في مستوياته الدنيا؛ فترى في بعقلين، مثلاً، «دورية» للحزب الاشتراكي وأخرى للحزب القومي، وفي الشوف الساحلي، واحدة للاشتراكي وأخرى لمحازبي وهّاب، والحال ذاتها في الشويفات، بين الاشتراكي والأرسلانيين.

لن يستطيع جنبلاط أن يمنع حركة التسلّح عند جمهوره. فالخوف من أن «يأخذ التكفيريون الدروز على حين غرّة» يفعل فعله، إضافة إلى أن أخصام الجنبلاطية، التاريخيين منهم والجدد، سبقوا الحزب الاشتراكي في تجربة القتال في سوريا، على عكس الحرب اللبنانية، التي سبق فيها الجنبلاطيون أخصامهم في التسليح، كمّاً ونوعاً .

كيف سيستطيع جنبلاط إذاً السير في استراتيجية «النأي بالدروز»؟ فما لم يعد خافياً أن رئيس الاشتراكي يريد تحييد الدروز عن الحرب الكبرى الدائرة من العراق إلى سوريا إلى لبنان، فقط لا غير، من منظار أن «المعركة بين السنّة والشيعة فحسب». ومع أن المعركة ليست بهذا الشكل المباشر، وضحايا التفكيريين من السنّة يتجاوز ضحاياهم من أي فئة أخرى بأضعاف، فإن الدروز أو غيرهم من فئات المشرق «لن يزعلوا» إن تمّ تحييدهم عن المعارك والقتل والتهجير.

لكن هل يقبل التكفيريون؟

في التجربة، لا حدود وخطوط حمراء لدى الجماعات الإرهابية وخياراتها، من أفغانستان إلى اليمن وسوريا والعراق، وأخيراً تجربة تنظيم «داعش» الذي ترتعد الفرائص في السعودية نفسها من جنونه، فضلاً عن أن الحدود في المشرق ما قبل 15 آذار 2011 ليست كما بعدها، وما يُلحقه التكفيريون من تغييرات ديموغرافية يسهّل ترسيم الحدود الجديدة .

«الدعوة إلى الإسلام» إذاً، هي دعوة للملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز لتحييد «أبناء عشيرته الدروز» (والمصطلح لجنبلاط) عن الحرب. وبحسب استراتيجية: «يا ربّ السترة»، لن يكون لدى الدروز غير الصلاة والدعاء ليستجيب عبدالله الذي تقصف طائراته «داعش»، ويُحَيَّد الدروز.

القلق الجنبلاطي من تطوّرات الأحداث على سفوح جبل الشيخ، من المقلبين اللبناني والسوري، في محلّه. لكن الفارق أن إسرائيل باتت الآمر الناهي للجماعات المسلحة في القنيطرة، ولا تنفع الاستغاثة بالسعودية. فالتحييد الذي يصلح في الشوف وعاليه، لا يصلح في حاصبيا وراشيا في حال قرّرت إسرائيل و«جيش لحد الجديد» خوض مغامرة الالتفاف على حزب الله، ولن يجد جنبلاط نفسه في غير مكانه الطبيعي، بـ«علاقة مميزة جداً مع حزب الله».