IMLebanon

كريم سعيد ودرب الجلجلة

 

أن يرث حاكم مصرف لبنان الجديد تركة ثقيلة من الممارسات الخاطئة ومآثر النهب والسرقة، ومن الظلم العميم للمودعين، الصغار منهم وبعض الكبار، فهذا بحد ذاته تحدّ لا يحسد عليه. أن يبدأ مهمته وسط مشهد مالي واقتصادي شديد التعقيد، حيث لا خطوط واضحة بين المسؤولية والمساءلة، وبين الإنقاذ والانهيار، يجعل المهمة شبه مستحيلة.

 

 

كريم سعيد، الذي دار حول تعيينه تطاحن بين اتجاهين: الأول يرى فيه مرشح أصحاب المصارف، والثاني يراهن عليه لسلوك طريق الإنقاذ المتوازن، يجد نفسه اليوم أمام اختبار أخلاقي وإداري من العيار الثقيل. هل يستطيع أن يخرج بالمؤسسة النقدية من نفقها المظلم؟ وهل ينجح في استعادة بعض من الثقة المفقودة في النظام المالي اللبناني؟

 

 

لكن العبء لا يتوقف عند إدارة المصرف المركزي. فأن يرث فارس سعيد، فهذه مصيبة لا يتمناها أحد، على الأقل في قاموس من يخوضون المعارك السياسية التقليدية. غير أن حس الفكاهة قد يقول العكس: فارس شقيق كريم، ورغم أنه أوغل في اللعبة السياسية بأدوات قديمة، يبقى وجهاً من وجوه السيادة، ومقاتلاً من أجل لبنان كما يراه.

 

 

أما كريم، فقد ورث بيت والده أنطون، ووالدته نهاد جرمانوس، وجده فارس الطبيب العتيق، بكل ما تحمله هذه العائلة من إرث فكري ومواقف حادة. هذه الخلفية لن تغير في طبيعة مهمته الخطرة، لكنها قد تعطيه بعض الصلابة لمواجهتها. من يعرفونه عن قرب، في جلسات طويلة في بيت جده فارس ووريثه فارس في قرطبا، يدركون أنه ليس رجلاً رمادياً، رغم تعامله اليومي مع الأرقام التي تبدو باردة، فهو شخصية نارية، غاضبة أحياناً، تكره الجبن والتخاذل والانبطاح.

 

امتحان كريم سعيد اليوم ليس سهلاً، واللبنانيون ينتظرون من حاكم مصرفهم الجديد أن يكون على قدر المسؤولية والضمير والامتحان. فلنواكبه بعين المراقب الساهر، ولنكن إلى جانبه حيث يصيب، ولنرفع الصوت كلما انخفض صوته، متى تطلبت المعارك صوت الضمير الذي لا يموت.