التهميش هو ما يعاني منه حزب «الكتائب اللبنانية» و«تيار المردة» أيضاً، ولو بنسب متفاوتة، الأول يجد نفسه حليفاً مسيحياً من الصنف الثاني في فريق 14 اذار، فيما «تيار المردة» قرر الانكفاء داخل مدينته زغرتا والقضاء، حيث «تضيق العين» اذا قرر «المرديون» التوسع نحو لبنان الكبير .هذه المشاعر التي تنتاب الفريقان تبقى في الصدور تقول مصادر مسيحية، ولا تتنفس وتخرج عن المكونات المعاتبة إلا داخل الغرف المقفلة، مع الحرص الدائم على أن الغبن لن يفسد في الود قضية، وانخراطهما كل في فريقه لن يزحزحه التجاهل المتمادي من قبل الرفاق داخل كل فريق، والدليل هو في الحماسة لأي موقف أو قرار يصدر، فإن الكتائب تلتزم حتى النهاية. والتمايز الحاصل في التمديد لم يكن تمردا كتائبياً أو التفافاً على 14اذار، لانه «بالأساس لم نتفق على التمديد كقرار بل ترك الموضوع للنقاش بين القوى الحليفة ولمساعي الإقناع». وفي المقابل فإن تيار المردة قرر السير بالتمديد وفق قناعته والتزاما بالأكثرية داخل فريق 8ازار.
مصادر مقربة من الكتائب تقول أن التمديد ورفض التمديد لم يكونا الشعرة التي قصمت ظهر البعير، فالعلاقات بين الكتائب والحلفاء يلفها اللغط الدائم والشعور بالغبن. فهي تعتبر أن المعاملة داخل الأمانة العامة لقوى 14 اذار لم تكن يوما بالمثل. وزعيم «تيار المستقبل» يصنف المسيحيين الحلفاء على طريقة اولاد ست وأولاد جارية، فالكتائب التي قدمت التضحيات والشهداء لثورة الأرز تجد غيرها يتصدر الصفوف الأمامية، وحين تقترب الاستحقاقات تتحول المشاورات بين «المستقبل» و«القوات» وما يتم الاتفاق عليه بينهما يصبح قراراً ملزماً للجميع. هذا الأمر الواقع ترفضه الكتائب، تضيف المصادر، وتؤكد بأن ما قبل التمديد هو غير ما بعده. فالكتائب التي صبرت على ترشيح الدكتور سمير جعجع لأكثر من 15 جلسة مراوحة لن ترضى بعد اليوم بهذا التعطيل لانتخاب رئيس للجمهورية، فلو حصل الانتخاب لوفر علينا هذا التمديد النيابي المقيت. فالمشكلة ليست بخروج الكتائب عن الإجماع غير الموجود اصلاً، بل المشكلة تكمن بالمقاربة الخاطئة للانتخابات الرئاسية. كما أن الكتائب لا تسأل اذا كان البعض «مزنوقا» في شارعه عشية الانتخابات النيابية لو جرت في مواعيدها الدستورية.
وتعدد المصادر نفسها بعض الأسباب المؤلمة التي تحفر عميقا في الوجدان الكتائبي، ومنها أن القوات اللبنانية خرجت من رحم الكتائب، لكن صلة الرحم لم تظهر في العلاقات التي تنسجها معراب بطريقة «السولو» فإذا فاز طلاب 14 اذار في الجامعة الأميركية تسارع القوات إلى استدعائهم في الليلة ذاتها لتقديم الفوز للدكتور جعجع. وإذا جرى النقاش حول الممثلين الحقيقيين للمسيحيين، يحتكر القواتيون هذا التمثيل متجاهلين أن الكتائب موجودة. كذلك الأمر عندما جرى البحث في قانون الانتخابات الجديد لم يلحظ الاذاريون سوى الهواجس القواتية وتجاهلوا بالكامل الآراء والملاحظات الكتائبية. لا بل إن الجميع حاول بالمونة ونجح في تشليح الكتائب المقعد النيابي في البترون وبالمونة أيضاً اقتصرت الحصة الكتائبية على مقعد واحد في زحلة.
هذا غيض من فيض تقول المصادر وتضيف أن حزب الكتائب لن يخرج من صفوف «ثورة الأرز» كما أنه لن يفتح الملفات العالقة مع «القوات اللبنانية»، لكن في المقابل قرر الحزب أن يضع زيحاً احمراً عريضا تقف من بعده اي ممارسة ظالمة أو مجحفة بحقه، وهو ينحو إلى الخطوات الانفتاحية على اعتبار: يحق له ما يحق لغيره. واللقاءات مع السفير الايراني تبقى أقل وقعا من زيارة الرئيس سعد الحريري الى دمشق. والانفتاح القواتي على الرئيس نبيه بري جيد على الصعيد الوطني شرط أن لا يكون هدفه الوحيد تمرير التمديد ميثاقيا.
وفيما خص «تيار المردة» تقول مصادرمقربة منه انه قرر ان يدعم العماد ميشال عون كمرشح لرئاسة الجمهورية، والملاحظات حول العلاقات لن تؤثر في القرار الصادق الذي اتخذه النائب سليمان فرنجية. فالمردة تعاني كما تعاني الكتائب من التجاهل الدائم. فالرابية تعتبر أنها الممثل الوحيد للمسيحيين وكأن لا شريك لها في هذا التمثيل. وهنا تؤكد المصادر أن بنشعي لا تعير هذا الموضوع اي أهمية بل تعتبر أن القصة تحصل من باب السهو. وتشير الى ان المردة لها الحضور الرئيسي على طاولة 8 اذار وأن الموافقة على التمديد جرت بعد أن وافقت بنشعي على المشروع وبالتالي فإن «تيار المردة» لم يخرج عن الإجماع بين حلفائه.
أما بخصوص العلاقات الملتبسة مع «الوطني الحرّ»، فتؤكد المصادر أن العلاقات تسودها الصراحة وهي سياسة اعتمدها فرنجية في مسيرته السياسية وبالتالي فإن أي أمر عالق يحل سريعاً مع العماد عون الذي يعتمد الصراحة عينها. لذلك تضيف المصادر أن التباين في الموقف حول التمديد لم يؤثر في علاقة «المردة» مع «الوطني الحر». أما بخصوص القضايا العالقة، فتشرح المصادر بأنها على طاولة الحل وهي لم تكن ولن تصبح يوماً أزمة تؤثر على الخيارات الاستراتيجية المشتركة.
ويبقى السؤال: هل التمديد حصل لمنع الفراغ ؟ أم أنه حصل لزعزعة التحالفات خصوصاً أن تداعياته لن تمر مرور الكرام داخل قوى 14اذار حيث يصر الرفاق على مساءلة الرفيق الكتائبي الذي خرج عن الإجماع في ليلة افتقد فيها «تيار المستقبل» الصوت المسيحي فلم يجده في الصيفي.