IMLebanon

خامنئي يذكّر ظريف: أميركا عدونا الأول

سعدت وسائل الإعلام الغربية يوم الأحد الماضي بتصريحات المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، القائلة بأنه لا يعارض «صفقة جيدة» بالنسبة إلى البرنامج النووي الإيراني، لكن كان واضحا أنه يريدها بـ«شروطه»، مما يعني عدم وجود أي تحول في الاستراتيجية الإيرانية. وهذا أمر مؤكد من خلال ما يجري داخل إيران والتغطية الإعلامية ودور المرشد الأعلى بالذات، خصوصا في الحملة التي يتعرض لها محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني، والتركيز على الطريقة التي يدير بها السياسة الإيرانية الخارجية بشكل عام، والمفاوضات مع دول «5+1» بشكل خاص. كل الدلائل تشير إلى أن مصدر كل هذه الانتقادات هو مكتب المرشد الأعلى الذي يريد أن يذكّر الرئيس حسن روحاني ووزيره ظريف بأن الولايات المتحدة لا تزال العدو الرئيسي للثورة الإسلامية، وأنه باستثناء المحادثات مع الغرب حول المسائل النووية فإنهما يجب أن يتجنبا أي مظهر من مظاهر التقارب بين طهران وواشنطن.

اندلعت الموجة الحالية من الانتقادات بعد نشر وتوزيع صور يوم 14 من الشهر الماضي لظريف يمشي في شوارع جنيف مع جون كيري وزير الخارجية الأميركي.

جرت الجولة «على الأقدام» على هامش المفاوضات النووية التي كانت تجري في المدينة. بعدها بيومين زار ظريف فرنسا، بعد نشر الصورة الكاريكاتيرية للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) على غلاف مجلة «شارلي إيبدو». 

أول من أطلق الطلقة الأولى باتجاه ظريف كان حسين شريعتمداري، رئيس تحرير صحيفة «كيهان» المرتبطة بشكل وثيق مع المرشد الأعلى. في مقال نشر في 18 من الشهر الماضي، اتهم شريعتمداري ظريف بتشويه الشرف القومي الإيراني، والوقوف إلى جانب الأعداء الذين لا يحترمون نبي الإسلام: «ليس فقط أن ظريف لم يترك طاولة المفاوضات، لكنه غادر قاعة المؤتمر يدا بيد مع جون كيري، ومن ثم مباشرة إلى باريس للتظاهر مع كل المعارضين للإسلام. وفي وقت تعلن فيه إيران رسميا أن الولايات المتحدة هي من دون منازع عدو أول لها، يبدو أن لظريف خططا أخرى، إذ لماذا غادر جنيف وسافر إلى باريس لمواصلة المحادثات، إلى المدينة التي أهانت الإسلام وأصوله، بينما كان عليه إلغاء المفاوضات تماما؟!».

في اليوم التالي 19 يناير (كانون الثاني) الماضي، وخلال مظاهرة أمام السفارة الفرنسية في طهران، انطلقت أصوات تنتقد وزارة الخارجية الإيرانية ومن على رأسها، ثم في 20 منه انضم مسؤولون كبار من المؤسسة الدينية في قم إلى موجة المنتقدين. وقال حسين نوري إن زيارة ظريف إلى باريس كانت في غير محلها. وقال رجل الدين الآخر محمد حسن نبوي إن فريق التفاوض النووي الإيراني يتوسل صدقة من الغرب، وإنه ما كان على ظريف السفر إلى باريس، حسب ما جاء على موقع «ديغاربان» الإخباري. في 21 من الشهر الماضي انضم قائد «الباسيج» محمد رضا نقدي بدوره إلى صفوف المنتقدين، حيث قال معلقا، كما أوردت وكالة «دانا للأنباء»، إن سلوك ظريف «يظهر أن وزير الخارجية لا يدرك أنه ممثل لقوة كبيرة، وأنه يجب أن يعتذر رسميا للشعب الإيراني عن تصرفاته غير المرغوب فيها». وأضاف أن «السير في شوارع جنيف كان دوسا على دماء الشهداء». في اليوم نفسه غادر روحاني غاضبا اجتماع مجلس الثقافة العليا كرد على انتقادات أحد الأعضاء للسياسة الخارجية للحكومة.

وعندما انضم خطباء يوم الجمعة في المساجد الرئيسية في طهران إلى «الجوقة الكلامية» ضد ظريف في 24 من الشهر الماضي، اضطر وزير الخارجية للدفاع عن نفسه علنا. ففي دردشة مع الصحافيين لاحظ «كانت لدينا جلسة جادة، وربما كانت هناك حاجة للراحة لبضع دقائق للانطلاق بجلسة أخرى. هذا أمر طبيعي في عالم الدبلوماسية خصوصا أنه لا ساحة خلفية في الفندق حيث كنا، أو حديقة، وكانت ممراته معبأة بالصحافيين الفضوليين». 

وفي اليوم نفسه، نقلت إحدى الصحف عن رجل الدين المتشدد محمد مهدي مديغاري تهديدا بالموت لظريف، حيث قال «أثبت الشعب الإيراني قدرته على التخلص من رئيس وإعدام وزير خارجية (في إشارة إلى خلع الرئيس أبو الحسن بني صدر عام 1981 وإعدام صادق قطب زاده وزير خارجيته عام 1983 بتهمة التآمر ضد قائد الثورة الإمام الخميني).

عدد قليل من أعضاء مجلس الشورى المعتدلين، ومن صنّاع الرأي، دافعوا عن ظريف في الإعلام، أو أعربوا عن تأييدهم له وللمفاوضات، لكن معارضيه المحافظين لم يصمتوا، إذ في اليوم التالي قدم 12 عضوا من مجلس الشورى استدعاء لرئيس المجلس، مطالبين باستجواب ظريف في المجلس بسبب الخطأين اللذين ارتكبهما: المشي مع كيري وزيارة فرنسا.

وكتب أعضاء في مجلس الشورى كما نقلت وكالة «فارس» (يوم 25 يناير): «نظرا لطلبات (الشيطان الأكبر) التي لا تنتهي، وبسبب عمليات التخريب خلال المحادثات النووية، لا يوجد فوق أرض الواقع مجال للألفة ما بين وزيري خارجية إيران وأميركا. إن سيرك الاستعراضي مع كيري على أرصفة جنيف كان خارج قواعد الدبلوماسية، لذلك لماذا لا تضع حدا لمثل هذه التصرفات؟». 

إضافة إلى ذلك، في 3 من الشهر الحالي وافق المجلس بأغلبية كاسحة (173 مع، 9 ضد، وامتناع 5) على القراءة الأولية لقانون يلزم الحكومة بالحفاظ على الإنجازات النووية الإيرانية أثناء المفاوضات مع الغرب، وتسريع وتوسيع المشروع النووي إذا ما حاولت أميركا فرض عقوبات جديدة على إيران. كان هذا عملا سياسيا هدفه لجم ظريف الذي يسعى للتوصل إلى اتفاق نووي بين إيران والمجموعة الدولية.

موجة الانتقادات التي تجري على خلفية الصراع السياسي الدائر بين المحافظين والحكومة بلغت ذروتها يوم 29 من الشهر الماضي، عندما نشر موقع المرشد على الإنترنت صورة لأقدام ظريف وكيري خلال سيرهما في أحد شوارع سويسرا، وفوقها عنوان «نقاط وهمية». ونقل الموقع عن المرشد قوله إن إيران يجب أن تركز على «نقاط حقيقية لتحقيق التقدم والرفاهية». 

الانتقادات التي حرك مرددوها مكتب المرشد الأعلى تعكس مشاعر الغضب الحقيقية لدى المحافظين على ما اعتبروه بمثابة هجوم حقيقي مبرمج ومنظم على قيم الثورة الإسلامية. ويبدو أنه عبر موجة الانتقادات أرسل خامنئي إشارة إلى أن تصرفات ظريف ذهبت لأبعد من المواقف التي كان نص عليها خامنئي نفسه في مناسبات عديدة. في الآونة الأخيرة، وتحديدا في 8 من الشهر الحالي، ألقى خامنئي خطابا آخر، عبر في ظاهره عن دعمه للفريق المفاوض، إنما في قراءة ما بين السطور كان واضحا أنه يعزز في الواقع القيود المفروضة على ظريف بشأن ضرورة وجود «صفقة جيدة» من وجهة نظر إيران تحافظ على البرنامج النووي الإيراني وتلغي العقوبات الاقتصادية.

ويجدر التذكير بأن خامنئي تصرف على نحو مماثل في الماضي لتوبيخ حكومته. فعل هذا في أعقاب المكالمة الهاتفية غير المسبوقة ما بين روحاني والرئيس الأميركي باراك أوباما في سبتمبر (أيلول) 2013، تلك المكالمة التي أغضبت بعض الدوائر السياسية الإيرانية.

في نهاية المطاف يهدف خامنئي إلى إبقاء الفريق التفاوضي داخل الخط الذي وضعه، وأن يؤكد لروحاني وظريف والشعب الإيراني أن التطبيع مع «الشيطان الأكبر» غير مقبول تماما وإطلاقا في أي سياق كان، إنْ كان بسبب القضايا الإقليمية مثل الحرب على «داعش» أو في إطار أي اتفاق نووي.