IMLebanon

أكثر وأبعد من المثالثة!

إبان الفراغ الرئاسي بعد انتهاء ولاية إميل لحود الممدّدة كان خيار حزب الله «جان عبيد» هذا هو الإسم الذي كان يريده حزب الله لرئاسة الجمهوريّة، حزب الله لا يريد رئيساً قويّاً، هذا سرٌّ أوّل، لولا أن الإجماع العربي والدولي جاء وقتها بالتوافقي الرئيس العماد ميشال سليمان. ها قد كشفتُ سرّاً تردّد كثيراً في الجلسات المغلقة لحزب الله، وسأدّعي في هذا الهامش أنّني سأكشفُ سرّيْن اثنين لا سرّاً واحداً، إذ وفي عزّ أزمة تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية ما بين العامين 2007 و2008 واظبتُ على عقد لقاء أسبوعيّ مع أحد الزملاء، وهذا الزميل المقرّب جداً من حزب الله، بل أقول أكثر من ذلك، كان في موقعه عيناً وأُذناً ويداً من تحت الطاولة تخدم حزب الله، ولذا حرصت على حوارنا الأسبوعي، وسأزيح الستار اليوم عن واحد من حوارتنا التي كانت غالباً ما تُفضي إلى شجارٍ ودّي حادّ، فنوقف الحوار…

في واحدٍ من هذه الحوارات عن شخصية الرئيس ومواصفاته خصوصاً تلك التي يرضى عنها حزب الله وإيران وبشّار الأسد زلّ لسان صديقي «رجل حزب الله الخفيّ» فقال لي: «من شو بيشكي جان عبيد» بالتأكيد اكتفيتُ بالإشارة إلى أنّ الرّجل صناعة سوريّة لا ينفع في الوضع اللبناني الحالي لهذا الموقع، أضف إلى ذلك أنّه ليس رجل اتخاذ قرارات بل رجلٌ يتلاقّاها، ثمّ سألته يبدو أنّه مرشّح حزب الله الحقيقي لا الجنرال ميشال عون، فألقى بالتهمة على السيدة نازك الحريري أرملة الرئيس الشهيد، باعتبارها أكثر المتحمسّين لجان عبيد».. هنا انتهى ما أريد معرفته منه.. فدار بنا الحوار والمساجلة إلى أن أسأله: «حزب الله يريد أن يحكم البلد برئاساته الثلاث هكذا يكون قد حافظ على مظهر دولة يختبئ في «عبّها»، وها هو يصادر رئاسة الحكومة وتركيبتها بالثلث المعطّل أو خروج المكوّن الشيعي منها، ويريد عبيد لرئاسة الجمهوريّة، وقد أقفل حتى مجرّد النقاش في اسم رئيس منافس للرئيس نبيه بري في انتخابات المجلس النيابي، هنا أصغيت جيّداً لما قاله: «ليش شو بو محمد فنيش.. هيدا أفضل واحد يعمل رئيس مجلس» سألته هل هو مرشّح حزب الله لرئاسة المجلس، قال: لا.. بس نازك الحريري بدها ياه برئاسة المجلس»، وطبعاً لا شأن للسيدة نازك الحريري في اختيار حزب الله المقنّعة تقيّة حتى تسنح الظروف!!

ما أسهل الهروب من واقع تعاسة السياسة اللبنانية وهُزالُها وكأسها المرّ، فبالإمكان الكتابة عن مواضيع أخرى كثيرة، من عمليّات داعش في أوروبا وأنّ نظام بشّار الأسد تحديداً يقف وراءها، وبالمنطق المقنع بعد تجميع أجزاء الصورة كاملة، بالإمكان الكتابة عن الصفعة غير المتوقعة والتي لم يستوعبها فلاديمير بوتين بعد إسقاط الطيران الحربي التركي مفخرة طيرانه الحربي «السوخوي» بالـ f16 الأميركيّة، وعن هذا التصعيد الروسي الغوغائي!! ولكنني آليتُ على نفسي بالأمس أنّ خياري سيبقى «لبنان أولاً وأخيراً»، لذا سيظل الشأن اللبناني الرقم الأول على مساحة هذا الهامش ما دامت حاجة لبنان واللبنانيين تستدعي ذلك، وهي كذلك!!

بالأمس سمعنا كلاماً سخيفاً عن إيجابيّة في مبادرة أمين عام حزب الله حسن نصرالله وهي «تراجعه عن فكرة المثالثة والمؤتمر التأسيسي وعودته الى الحديث عن اتفاق الطائف والوفاق الوطني والعيش المشترك»، المضحك المبكي في هذه الإيجابيّة أنها أخرجت من التداول فقط فبِمَ نصنّف سليمان فرنجية وحال فنائه في بشار الأسد وحسن نصرالله في الرئاسة الأولى على سبيل المثال؟!

ومن جملة الكلام السخيف الذي سمعناه بالأمس: «أنّ أسباباً أمنيّة حالت دون الإعلان عن الاجتماع»، «إنّو بركي شي إنتحاري كان حيفجّر حزام ناسف عطريق المطار»، أرجوكم، أرجوكم احترموا عقل المواطن عندما تريدون أن تكذبوا عليه، ومن جملة الكلام السخيف الذي سمعناه بالأمس أيضاً مقولة «سليمان  فرنجية سيتحرّر من الأسد»، «طب قولولنا كيف بدو يتحرّر من خيّو»!! أما أسوأ ما سمعناه بالأمس فالحديث عن أنّ «سليمان فرنجيّة عليه أن يُثبت ذلك ضمن الكادر المسيحي السياسي بالدرجة الاولى، ومن ثم ضمن الكادر السياسي الوطني بالدرجة الثانية»!!

هنا عليّ أن أشير أن هذه التصريحات صدرت عن نائبيْن في تيار المستقبل، وبعض هؤلاء يا ليتهم يلتزمون الصمت ويتركون من يمتلك حجّة وبرهاناً مقنعاً ليطلّوا على الناس ويشرحوا لهم الموقف، ونسأل الله للرئيس سعد الحريري بطانة صالحة ومجموعة مستشارين يعيشون بين الناس لا في أبراج عاجيّة، علماء بسطاء يقومون بالدّور الناصح الذي يحتاج إليه كلّ من يتحمّل عبء سياسة الناس… خرج سليمان فرنجية بالأمس من جلسة الحوار ليقول بصريح العبارة «هذا طرح جديد قد يكون من الرئيس الحريري، من 14 آذار وسنتعاطى مع الموضوع بوقته»، أعلن أنّه مرشّح جديّ ولكن غير رسمي حتى الآن، وطالب الطرف الآخر أن يقوم بإعلان ترشيحه رسمياً!!

14 آذار لم ولن ترشّح سليمان «الزغير» لرئاسة الجمهورية، والحلفاء عاتبون بشدّة على حليفهم الرئيس سعد الحريري الذي لم يطلعهم ولم يشاورهم، والمكوّن المتبقّي من 14 آذار هو تيار المستقبل، باعتبار أنّ وليد جنبلاط ـ جالب الخراب ـ كلفنا منذ عشر سنوات وحتى اليوم، على الأقل كلّفنا موقفه وتهديده بسحب وزرائه من حكومة فؤاد السنيورة كلّفنا 7 أيار، ثم هرب ليحمي نفسه، غادر 14 آذار، وانقلب عليها بحنينيه إلى فندق البوريڤاج مطلع آب العام 2009 وبعد أيام قليلة على فوز 14 آذار بالانتخابات النيابيّة!! لم يبقَ إلا تيّار المستقبل؟ هذا ما فهمه اللبنانيون من كلام فرنجية بالأمس، ولا نستطيع أن نصدّق ولا نريد أن نرى ولا نحتمل أن نرى الرئيس سعد الحريري واقفاً معلناً ترشيح تياره سليمان فرنجيّة رئيساً للجمهوريّة!!

حان الوقت لتنتهي هذه المهزلة، فلا هذا تكتيك سياسي، وإن كانت محاولة لضرب فريق 8 آذار ببعضه فللأسف، 8 آذار لها رأس هو بشار الأسد ووكيله ووكيل الخامنئي في لبنان، وهم يستمتعون بهذه اللعبة لأنّ هذه المغامرة ستكلّف من فكّر بلعبها مستقبله السياسيّ حتماً!! تبقى كلمة؛ إنها أكثر من المثالثة، إنها الأثلاث الثلاثة في الدولة، يصادر حزب الله في ضربة واحدة رئاسة الجمهوريّة، ورئاسة مجلس الوزراء ما دامت روح هذه الحكومة وخوانيقها في يده، وتجربة شلّ حكومة تمام سلام ظاهرة وحاضرة، وحدّث ولا حرج عن المجلس النيابي، سيصبح تفسير الدستور منوطاً بحسن نصرالله أو من يوكله لهذه المهمّة، ويبقى المنصب الأخير، وسيرضى ميشال عون بهذا التعويض، العميد شامل روكز لقيادة الجيش وهو صديق مقرّب من سليمان فرنجيّة.

»أكلوا الصبي»!! عفواً أكلوا لبنان وهويته والطائف والمناصفة، وعندها سيُدرك الذين وسوس لهم «وجه الخراب» باسم سليمان فرنجية رئيساً للجمهوريّة، أوْدى بهم من أجل مصالحه ومصالح عائلته فقط لا غير!!