IMLebanon

زيارة لودريان الرابعة “لا جدوى منها”… ولكن 

 

 

يصل الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان الى لبنان مساء اليوم الثلاثاء، على أن يستهل ّ محادثاته مع المسؤولين السياسيين غداً الأربعاء. وتأتي زيارته الرابعة التي أًجّلت منذ تشرين الأول الفائت، بسبب دخول حرب غزّة كأولوية على أحداث لبنان والمنطقة، لإعادة تحريك الملف الرئاسي، رغم الحديث المسبق عن أن “لا جدوى منها” قبل أن تبدأ… غير أنّها في الواقع تحمل في طيّاتها معطيات ورسائل عديدة، يُمكن أن يعوّل عليها خلال المرحلة المقبلة.

 

مصادر سياسية متابعة رأت في عودة لودريان الى بيروت بعد نحو شهرين ونصف على زيارته الثالثة (التي قام بها بين 11 و15 ايلول المنصرم)، والتي كان يجد البعض أنّها لن تحصل قبل انتهاء حرب غزّة والمواجهات العسكرية الحاصلة على الجبهة اللبنانية الجنوبية بين حزب الله والعدو الاسرائيلي، معطيات عديدة لا بدّ من التوقّف عندها هي:

 

1- إنّ مجرّد مجيء لودريان الى بيروت في هذا التوقيت بالذات، الذي تشهد فيه المنطقة حرب غّزة هدنة بين حركة حماس و “الإسرائيليين”، وهي مرشّحة لإطالتها لأيّام، من دون التأكّد من هذا الأمر حتى الساعة، يعني أنّه حان الوقت لإعادة تحريك الملفات الداخلية، لا سيما الاستحقاق الرئاسي، وقرب إحالة قائد الجيش العماد جوزف عون الى التقاعد في العاشر من كانون الثاني المقبل.

 

2- تأتي هذه الزيارة بإيعاز من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لإعادة تحسين صورة فرنسا التي تغيّرت لدى اللبنانيين مع بداية حرب غزّة،  ومسارعة ماكرون بعد الرئيس الأميركي جو بايدن الى زيارة “تلّ أبيب” وتأييد حربها على حركة حماس بحجّة أنّها “حرب القضاء على الإرهاب”. فضلاً عن تأكيدها على أنّ فرنسا لا تزال تقف الى جانب لبنان رغم كلّ يحصل…

 

3- يعود لودريان الى لبنان من باب أنّ الخطر كبير في المنطقة، وثمّة خشية من انزلاق الأمور وتوسّعها. وفي حال توسّعت الحرب فستصيب لبنان أولاً، ويحصل عندئذ ما لا تُحمد عقباه. وهذا ما تريد فرنسا تجنيبه للبنان، من خلال إعادة حثّ المسؤولين على الاتفاق على رئيس، وإن كانت تعلم أنّ مهمتها هذه ليست سهلة.

 

4- قد تؤكّد زيارة لودريان في هذه المرحلة بالذات، رغم أنّ إطلاق النار لم يتوقّف بعد بشكل نهائي، على أنّ التسوية في المنطقة ومن ضمنها لبنان سوف تحصل قريباً، ولا بدّ من أن يجري التحضير لها داخلياً. وهذا ما سينقله لودريان الى المسؤولين اللبنانيين الذين سيلتقيهم لكي يحصّنوا وحدتهم الوطنية، وينتخبوا رئيساً ويشكّلوا حكومة جديدة فاعلة، ويُفعّلوا عمل مجلس النوّاب المنتخب، لكي يتمّ تقرير مصير لبنان في المرحلة المقبلة.

 

وصحيح أنّه ليس من اقتراحات جديدة في جعبة لودريان، على ما أضافت المصادر نفسها، غير أنّه سيبدأ حديثه من حيث انتهى، بعد أن كان طلب من النوّاب الإجابة عن الأسئلة حول الرئيس ومواصفاته، على أن يُضمّن محادثاته حتماً حرب غزّة والمواجهات العسكرية الدائرة جنوباً، وتداعياتها على لبنان في حال طالت واستمرّت من دون أي حلّ أو تسوية.

 

من هنا، سيُشدّد لودريان على إمكانية إحداث خرق ما في الداخل اللبناني حالياً، على ما ذكرت المصادر، لا سيما في موقع رئاسة الجمهورية، وضرورة اقتناص هذه الفرصة التي سيوفّرها الموفد الرئاسي بتنسيق مع كلّ من قطر والسعودية، أي اللجنة الخماسية التي تقوم حالياً بالوساطة في غزّة، لا سيما مصر وقطر والولايات المتحدة الأميركية. وتسعى هذه الدول الى إطالة الهدنة في غزّة، التي تنعكس هدنة جنوب لبنان، وإن حصلت بعض الخروقات، بهدف التوصّل الى وقف كامل لإطلاق النار، على أن يحصل هذا الأمر من خلال قرار يصدر عن مجلس الأمن الدولي.

 

وبرأي المصادر عينها إنّ لودريان لن يقوم بالتسويق لأي من أسماء المرشّحين للرئاسة، لأنّ كلّ ما يهمّ فرنسا واللجنة الخماسية هو التوافق على اسم الرئيس بين الأحزاب والكتل النيابية. كما أنّه لن يطرح أي مبادرة جديدة، سيما أنّ الاحتمالات لا تزال مفتوحة على المبادرة الفرنسية، كما على مقترحات اللجنة الخماسية، غير أنّه سيحثّ المسؤولين على ضرورة الذهاب الى مجلس النوّاب في أسرع وقت ممكن وانتخاب رئيس الجمهورية.

 

وركّزت المصادر على أنّ فرنسا لا تمتلك القدرات لتغيير الواقع اللبناني القائم على الخلافات السياسية على أسس عديدة، إلّا أنّها تقوم بما في وسعها لتحريك الجمود القائم، قبل دخول لبنان في فراغ آخر في رأس المؤسسة العسكرية، في حال لم تتمكّن حكومة تصريف الأعمال والمجلس النيابي من التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون، أو تعيين بديل عنه.

 

وأشارت المصادر عينها الى أنّ زيارة لودريان، سيتبعها زيارة الموفد القطري الى لبنان، وخصوصاً أنّ قطر تقوم بالوساطة اليوم في غزّة، كما أنّها تريد رؤية رئيس للبنان لا سيما في ظلّ الظروف الراهنة. وينتظر لبنان هذا التحرّك القطري الجديد لكي يبنى على الشيء مبتغاه.

 

وتقول المصادر انّ زيارة لودريان الأخيرة كانت منتجة، وكان الموفد الفرنسي سيعود في تشرين الأول من أجل مواصلة مهمّته، والتوصّل الى قواسم مشتركة بين الكتل النيابية، وبدأ يتكلّم عن “الخيار الثالث”.  وكان يفضّل العودة لاستكمال هذا الأمر، وقد نشبت حرب غزّة وغيّرت المسار، لهذا قد يعود الى الكلام على الخيار الثالث التوافقي، ويرى ما ستكون عليه مواقف الكتل والأحزاب.

 

وأكّدت المصادر أنّ لودريان يتابع مهمّته بتفويض من الولايات المتحدة الأميركية ومن دول اللجنة الخماسية، سيما أنّ هذه الأخيرة تعلم بأنّه لا يمكن الإتيان برئيس للجمهورية من دون موافقة حزب الله، كما أنّه لا يمكن إيصال مرشّح الحزب من دون موافقة الكتل والأحزاب الأخرى. علماً بأنّ حزب الله قد سجّل نقاطاً خلال حرب غزّة التي دخلها من بوّابة الجبهة الجنوبية، غير أنّ موقفه الدقيق قد جنّب لبنان حتى الساعة، “حرباً إسرائيلية” شاملة عليه.