IMLebanon

قلق اللبنانيين

 

يعيش اللبنانيون هذه الأيام، على وقع التوجس اليومي، مما سيحصل معهم، وهم على أبواب الإنتقال من فصل الصيف إلى فصل الخريف، كل شيء يداهمهم بسرعة أنشتاين، من تسجيل أبنائهم في المدارس والجامعات، حتى لقمة العيش، التي إنغمست بالجفاف وبالغلاء. وأما أهل الجبل، فقد أخذوا يستعدون للنزول إلى المدينة، يفتحون بيوتهم من جديد، بعدما طال الغياب عنها لأشهر، فصار كل شيء يحتاج إلى تحضير وتجديد، وترتيب وتنضيد.

 

وأخذت لوائح الأسعار تفاجئهم، وهي تزداد عليهم يوما بعد يوم. فيمدّون أيديهم إلى مدخراتهم، فإذا هي محجوزة عليهم، ويترقّبون موعد تحصيل رواتبهم، فإذا هي لا تكفي لإشتراك في الماء، أو في الكهرباء، ولا لدفع فاتورة الخدمات، التي صارت عليهم بالدولار، ولا لشراء بعض السندويشات، ولا حتى لوجبة مجدرة، بعد طول إشتهاء.

تراهم يتقلّبون في همومهم، وهم ينشغلون بتحضير مؤونة الشتاء: المكدوس والمعقود والمربيات والمجففات.. بالإضافة إلى الزيت والزيتون، وأنواع الكبيس والمخللات، ناهيك عن جرش جميع أنواع البرغل، وجمع بعض أكياس العدس والحمص، وتحضير المرطبانات القليلة، من الجبنة واللبنة، وبعض أكياس الكشك.. فأهل الجبل وإن نزلوا إلى المدينة، تقلقهم حاجاتهم التي إعتادوا عليها، فيقبلون على تحضيرها وشرائها، حتى لا تفوتهم في فصل الشتاء.

قلق اللبنانيين يزداد يوما بعد يوم، وهم يرون كيف تضغط الحرب الإسرائيلية عليهم، والتي صارت عادة يومية، فيغادرون قراهم على عجل، خشية النيران المفتوحة عليهم، ويتحمّلون تكبّد المستحقات الجديدة: من النزول في المساكن، وحتى شراء المستلزمات السكنية والحياتية، وقد خرجوا من بيوتهم على عجل: ومعهم أبناؤهم وأسرهم، يتطلّعون إلى من يساعدهم على تضميد جراحهم، ومد اليد لهم، من مساعدة ومن عون.

يزداد القلق على اللبنانيين، كلما سمعوا هدير الطائرات في أجوائهم، يعرفون مسبقا أنه طيران معادٍ، وأنه إذا لم يستهدف المدينة بعد، فهو يحوم حوله، ويؤجل إستهدافها، بعد خرق جدار الصوت فوقها لمرات عديدة. وربما إشتبه بصبي على دراجته الهوائية، فأسرع لإقتناصه، حتى لا يعود إلى اللعب مرة ثانية.

قلق اللبنانيين، صار عادة يومية، تلاحقهم المصائب والأقدار، إلى عقر دارهم، فلا يشعرون إلّا وقد إنقضت عليهم طائرة عدوّة، وحوّلت طبقات البناء العشر، إلى ركام، وهيهات أن يستطيعوا إخراج الأهل من تحتها، من أعماقها، فلا المعدات تسعفهم، ولا الطاقات، وهم بالكاد ينشلون دلو ماء من آبارهم، فكيف لهم بإنتشال جثث الأهل والأحباء وفلذات الأكبد، من تحت الركام.

 

«إتسع الخرق على الراقع»، يقول المثل العربي القديم، وصار جميع اللبنانيين، على قلق عظيم مما يجري في بلادهم، كأن هناك من كان يؤسس لمثل هذا البلوى التي حلّت بجميع اللبنانيين بلا إستثناء، فقد ذهبت دولتهم منذ أعوام، وصاروا بلا رئيس للجمهورية، وبلا حكومة عتيدة تتولى شؤون البلاد. وقعت البلاد في فراغ عظيم، فنبتت فيها الأشواك من كل نوع ولون، وخَوتْ الإدارات والمجالس، وفرغت الدولة من عدّتها وعتادها، ولم يعد بإمكانها أن تروي شعبها بالماء، ولا أن تنير بيوتهم ولا حتى شوارعهم، بساعة من الكهرباء.

ما هذه المصائب كلها، التي اجتمعت فوق رؤوس اللبنانيين دفعة واحدة، وهم على أبواب فصلي: الخريف والشتاء؟! وكيف يستعدّ أهلنا في الجبل، لدفع موجات الصقيع عنهم؟ وكيف يؤمنون المازوت والغاز والرغيف والثوب والكتاب؟!

القلق يحاصر اللبنانيين من كل الجهات، ترى المسافرين عالقين في صالات بيع تذاكر السفر، يراجعون في أسباب تأجيل الرحلات، وفي أسباب إلغائها أيضا، وكم سيطول الأمر عليهم وهم على هذه الحال، غلبتهم حاجاتهم لاستبدال التذاكر، فواجهتهم المعيقات، واجهتهم الإبتزازات، صارت رحلة العودة أضعافا مضاعفة، فكيف يعودون إلى أعمالهم وأشغالهم، وقد إستبدّ بهم أصحاب الشركات، أستغلّوا الظروف القاهرة لجني مزيد من الأرباح.

قلق اللبنانيين عظيم هذه الأيام، فكيف يقطفون مواسمهم؟ وكيف يحضّرون أرضهم؟ وكيف يقومون بما يتوجب عليهم، في الحقول والكروم؟ كيف يديرون معاصر الدبس و الزيتون؟ وكيف يحضرون محصولهم من معامل الصابون؟ كيف يغادرون بيادرهم، ويخلفون ورائهم قفران النحل وأجرار العسل، وشتى أنواع المؤن؟!

اللبنانيون كلهم قلقون هذه الأيام، يسألون سؤالا واحدا: لمن يتركون أرض الجنوب حين ينزحون؟ لمن يتركون الأرزاق والخيرات، من الينابيع حتى المصبات، بل كرمى أي عيون؟!

اللبنانيون قلقون هذه الأيام، من كل ما جرى في بلادهم منذ أعوام وحتى الآن، ولا تهمّهم أحزانهم، فهم تعوّدوا عليها، فقد صارت جزءا من حياتهم، تراهم يبلّون ريقهم بالشعر وينشدون مع نزار قباني:

فأيامنا كلها محنة/ وتاريخنا كله كربلاء.