IMLebanon

طعن «القوّات» بسلفة الكهرباء: خفّة لن تطول

 

 

«لا لتمويل العتمة» vs «قوّات العتمة»، وسمان تواجه بهما مؤيدو «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» على «تويتر» على خلفية الطعن الذي قدمه نواب الأخير في القانون الرقم 215/2021 (قانون منح مؤسسة كهرباء لبنان سلفة خزينة بقيمة 300 مليار ليرة لتأمين حاجتها من الفيول لشهرين).

 

العتمة تلك صارت حاضرة مع كل أزمة، وبغض النظر عن الصراعات السياسية. وهذه المرة إذا وافق المجلس الدستوري على الطعن فإن الوصول إلى العتمة لن يحتاج إلى أكثر من أيام. وحتى لو رفض المجلس الطعن، فإن شبح العتمة يمكن أن يطل مجدداً، مع نفاد قيمة السلفة ودخول الكتل النيابية في بازار جديد بين مؤيد ومعارض.

قرار المجلس الدستوري تعليق العمل بالقانون ليس مؤشراً على القرار الذي يمكن أن يتخذه بشأن الطعن. التعليق مرتبط حصراً بكون البت بالطعون المتعلقة بالقوانين المالية والضريبية يصبح بلا جدوى في حال تنفيذ هذه القوانين. المجلس كان واضحاً في الإشارة إلى أن قرار التعليق لا يلغي إمكانية رد الطعن بالشكل أيضاً كما في الأساس («تقرر بالإجماع حفظ البت في شكل وأساس المراجعة الى حين الفصل فيها»). لكن بغض النظر عن القرار النهائي، فإن التعليق يعني عملياً عدم القدرة على المس بالسلفة لفترة تصل إلى 30 يوماً، هي المهلة المحددة، بحسب المادتين 35 و36 من قانون المجلس الدستوري، للبت بالطعون. وبالرغم من إمكانية اختصار المجلس لهذه المهل، فإن الحد الأدنى المفترض لإصدار القرار لن يقل عن 15 يوماً. وهذا كان كفيلاً باستنفار وزارة الطاقة ومؤسسة كهرباء لبنان اللتين اعتبرتا أن عدم صرف السلفة سيؤدي إلى إطفاء معامل الكهرباء بعد نفاد المبلغ المتبقي من سلفة عام 2020، والذي لم يبق منه سوى 13 مليار ليرة، بحسب كهرباء لبنان، لا تكفي لتمويل باخرة فيول واحدة.

في اجتماع لجنة الأشغال النيابية، لمناقشة الأزمة المستجدة، أعلن وزير الطاقة بدقة مواعيد إقفال المعامل في حال عدم تأمين الفيول لها، وأولها معمل الزوق (18 أيار)، على أن يتبعه البقية، علماً بأن المياه اللبنانية استقبلت باخرتين من بين البواخر المجدولة الست من دون أن يتم تفريغ حمولتيهما، بسبب عدم فتح الاعتمادات (كانت مقررة من ضمن السلفة الجديدة).

طبعاً، العتمة الشاملة لن تنتظر إقفال المعمل الأخير. وبحسب رئيس لجنة الأشغال نزيه نجم، بمجرد وصول الإنتاج إلى ما دون 950 ميغاواط، تفصل المعامل عن الشبكة. وبالتالي بالكاد يمكن تخطي شهر أيار، في حال عدم تزويد المعامل بالفيول. ولذلك:

– أعلنت كهرباء لبنان البدء فوراً بتخفيض الإنتاج بمعدل 200 ميغاواط (من حوالى 1250 ميغاواط إلى حوالى 1050 ميغاواط)، «لإطالة فترة إنتاج الطاقة قدر المستطاع ريثما تتضح مآلات الأمور».

– زار وزير الطاقة ريمون غجر ونجم وزير المالية للبحث معه في تأمين بعض الأموال لتأخير الإطفاء. وأكد نجم لـ«الأخبار» أنه «يتم العمل على حلّ مؤقت يضمن تأجيل الإطفاء لأيام بعد الموعد الأول أي 18 أيار، على أمل أن يكون قد صدر قرار المجلس الدستوري بردّ الطعن، أما في حال الموافقة عليه، فلا أحد يملك الجواب عن الخطوة التالية».

 

«القوّات» تبني طعنها على تصريحات سياسية!

 

 

يرفض الوزير السابق غسان حاصباني اتهام «الجمهورية القوية» بالشعبوية. يرى أن الطعن كان نتيجة الاستمرار في هدر المال العام وتبديد ودائع الناس على قطاع الكهرباء من دون أي مسعى لإصلاحه. ويؤكد أن المطلوب حكماً ليس العتمة، لكن في المقابل فإن مبلغ الـ 300 مليار ليرة يمكن لمؤسسة كهرباء لبنان تأمينه بالعمل الجاد لتفعيل الجباية وتخفيض الهدر. ويشير إلى أنه في عام 2018 وصلت الجباية إلى 1300 مليار ليرة، ويمكن للمؤسسة العودة إلى هذا الرقم، وتغطية حاجتها للفيول، بدلاً من الاستسلام للبطالة ورفض تفعيل المشاريع التطويرية من العدادات الذكية إلى استحداث نظام جديد للفوترة إلى غيرها من المشاريع المجمدة.

هذه الملاحظات تراها مصادر في «كهرباء لبنان» غير منطقية، مذكّرة بأنه في الوقت الراهن من الصعب زيادة الجباية، لأن الناس لا يملكون المال. أما بشأن إزالة التعدّيات، فتؤكد أن المشكلة تكمن في عدم مواكبة الأمن للمؤسسة في حملاتها. وحتى مع التسليم بإمكانية الحصول على 300 مليار ليرة إضافية، تسأل المصادر كيف ستحوّلها «كهرباء لبنان» إلى دولار إذا لم يقم مصرف لبنان بهذه العملية. إذ إنها مؤسسة عامة لا يمكنها التعامل إلا مع مصرف لبنان. بالقانون، الدولارات التي يؤمنها مصرف لبنان ليست دعماً، لأنه إذا لم يؤمن للمؤسسة حاجتها من العملة الصعبة فلن تستطيع شراءها من السوق. أكثر من ذلك، فإن إطفاء المعامل لن يوفر الـ 200 مليون دولار كما تأمل «القوات»، بل سيؤدي إلى دفع 30 في المئة إضافية ثمناً للمازوت المخصص للمولدات التي ستتولى تعويض كهرباء الدولة.

هذا المنطق لا يبالي الطعن به. فهو ينطلق من كون «هذه السلفة ستعطى للمؤسسة عبر الاقتطاع من الاحتياطي الإلزامي في مصرف لبنان، الذي هو جزء من ودائع الناس الذين ارتضوا ووثقوا في النظام المصرفي، وبالتالي فإن الاحتياطي الإلزامي هو أمانة في ذمة المصرف المركزي لمصلحة المودعين ولا يمكن المسّ به».

قوة الطعن، بحسب واضعيه، أنه يؤكد أن الاحتياطي الإلزامي جزء من الملكية الفردية التي كفلها الدستور وأوجب حمايتها. مع ذلك، فإن قراءة نصه تعطي انطباعاً سريعاً بعدم جديته، يقول خبير دستوري. المشكلة الأساس أن مقدميه لا يدركون أن وظيفة المجلس الدستوري هي النظر في دستورية القوانين وليس النظر في مدى ملاءمتها. وبالتالي، فإن إعطاء سلفة بحد ذاته مسألة لا تتعارض مع الدستور، أما التركيز على مسألة مخالفة القانون المطعون به لحق الملكية، من خلال المس بالاحتياطي الإلزامي، فهو يرد في إطار التحليل لآلية تنفيذ القانون، لكنه لا يرد في القانون المطعون به بأي شكل من الأشكال… لا في نصه ولا في أسبابه الموجبة.

لتغطية هذه الثغرة، لجأت «القوات» إلى تدعيم موقفها بإبراز تصريحات لسياسيين يشيرون إلى أن السلفة ستغطى من الاحتياطي الإلزامي. ففرّغت مقابلة لوزير المالية مع قناة «المنار» واستعانت بتصريح لنائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي… لم يكتف الطاعنون بذلك، بل ضمّنوا طعنهم افتراضات وردوداً على هذه الافتراضات مثل الإشارة إلى أن «التذرع بأن ما يصار إلى استخدامه لتسديد سلفة الكهرباء هو من الاحتياطي العادي لا يستقيم لا قانوناً ولا محاسبياً لأنه حكماً هو من الاحتياطي الإلزامي وليس العادي على الإطلاق».

للقوات إجابة، من ضمن الطعن أيضاً، على الرأي الذي يقول إنه «ليس ما يشير أو يؤكد أن السلفة ستمنح من الاحتياطي الإلزامي». وهي تعتبر أن هذا الرد لا يستقيم ويمكن إثبات ذلك أيضاً. كيف؟ «عبر استماع المجلس إلى إفادة وزير المالية وحاكم مصرف لبنان وكل من يراه مناسباً، لاستيضاحه حول المصدر المنوي تمويل السلفة منه»، علماً بأن ذلك ليس من واجبات المجلس الذي ينظر في النص الذي بين يديه ولا يجري تحقيقات.

خفّة الطعن لا تقف عند حدود. إضافة إلى كل ما سبق، يتعامل مع احتمال رده بتحويل الطلب من طلب إلغاء للقانون إلى طلب لتفسيره «بما لا يتعارض عند تطبيقه مع حق الملكية الخاصة وبما يحول دون صرف السلفة من الاحتياطي الإلزامي في مصرف لبنان». ينسى هؤلاء أن تفسير الدستور من صلاحية المجلس النيابي، على ما درجت العادة (لا يحدد الدستور صراحة الجهة التي تفسر، لكن اصطلح على أن من يحق له تعديل الدستور، أي المجلس النيابي، يحق لها تفسيره).

في المضمون، يبدو المجلس الدستوري أمام قضية أسهل من الضجة التي أثيرت حولها. وهو بالتالي لن يكون بحاجة إلى جهد لرد الطعن، كما لن يكون بحاجة إلى اللجوء إلى حجة «المصلحة الوطنية» كما فعل لرفض الطعن المقدم من «الكتائب» في موازنة 2018، على سبيل المثال، بالرغم من تأييده لأسباب الطعن.

لكن ذلك كله يسبقه احتمال رد الطعن بالشكل أيضاً. في الصفحة الأخيرة، يتبيّن توقيعه من ثمانية نواب بدلاً من عشرة (العدد المطلوب قانوناً لتقديم طعن). وبالرغم من أن النواب العشرة سبق أن كتبوا أسماءهم في الصفحة الأولى بصفتهم المستدعين (النواب: جورج عقيص، وهبي قاطيشا، عماد واكيم، جوزاف اسحق، بيار بو عاصي، إدي أبي اللمع، فادي سعد، أنطوان حبشي، أنيس نصار، زياد حواط)، إلا أنه درجت العادة أن يوقّع النواب العشرة على الصفحة الأخيرة، لكن يتبيّن أن العجلة ربما استدعت عدم انتظار اسحق ونصّار ليوقّعا. إلا إذا كان المقصود بالطعن هو رده تحديداً. فقبوله، وبالتالي إطفاء المعامل وتعميم العتمة، لن يعود بالنفع على «القوات» شعبياً، لكن عدم قبوله سيسمح لها بالمجاهرة بأنها سعت إلى حماية حقوق المودعين والدفع باتجاه إصلاح قطاع الكهرباء، لكن النظام وقف في وجهها.