جاء خطاب رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع في مؤتمر “القوات” كصرخة وطنية صريحة وواضحة، ليس مجرد كلمات على ورق، بل موقف مسؤول يضع اللبنانيين أمام حقيقة صادمة: الدولة تنهار، والمؤسسات تتداعى، والوقت لا ينتظر التردد أو التسويف. جعجع لم يكتفِ بالتنبيه إلى الأخطار، بل عرض الواقع كما هو، بعيدًا من المجاملات السياسية أو الشعارات الجوفاء، مؤكدًا أن لبنان لا يمكن أن يقوم في ظل استمرار أي قرار خارج سلطة الدولة. فقد شدد على أن الدولة موجودة، والجيش اللبناني حاضر وفعّال، ولكن ما ينقصهما هو قرار سياسي حاسم وجريء قادر على استعادة السيطرة على كل مؤسسات الدولة وحماية سيادتها، وأن أي تأجيل أو مسايرة يفاقم الانهيار ويضع مستقبل الوطن على المحك.
تميز خطاب جعجع بالوضوح والجرأة في مواجهة الواقع السياسي المؤلم، حيث وجّه كلامه بشكل مباشر إلى فخامة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام، مؤكدًا أن الوقت لم يعد يسمح بالتأجيل أو المسايرة، وأن الدولة بحاجة إلى خطة عمل حقيقية لدعم الجيش وإعادة فرض سلطتها على جميع الأراضي اللبنانية. وأوضح جعجع أن أي قرار سياسي ضعيف أو ترقيعي لن ينقذ لبنان، بل سيزيد من ضعف الدولة ويتيح استمرار الفوضى، مشددًا على أن تفكيك الجناح العسكري والأمني لـ “حزب الله” وحله جذريًا ليس خيارً سياسيًا بل ضرورة وطنية لحماية السيادة والقرار السياسي، وأن أي سياسة “بكرا منشوف” أو مسايرة لن تؤدي إلا إلى المزيد من الانهيار.
كما ركّز جعجع على تعطيل المجلس النيابي، مؤكدًا أن هذا التعطيل ليس مسألة تقنية روتينية، بل تهديد مباشر للشرعية والدستور. وشدد على أن اللبنانيين في الداخل والخارج لهم الحق الكامل في انتخاب ممثليهم من دون تدخل أو ضغط، وأن أي تعطيل أو مراوغة من قبل أي طرف سياسي يؤديان إلى شلل الدولة ويضاعفان المسؤولية الوطنية والأخلاقية لكل من يشارك فيهما. بهذه الصراحة، وضع جعجع النقاط على الحروف لكل جهة، وجعل من الواضح أن الدولة لا تُدار بالضعف أو بالخوف، وأن أي تقاعس هو مساهمة مباشرة في انهيار المؤسسات.
تميز الخطاب أيضًا بالبعد الوطني والشعوري، حيث وجّه رسالة قوية للشعب اللبناني بأن التحديات الحالية تتطلب وعيًا جماعيًا، وأن الاستسلام للواقع المؤلم لن يؤدي إلا إلى مزيد من الانحدار. جعجع أشار إلى المخاطر الاقتصادية والاجتماعية المباشرة، مثل هجرة الشباب، فقدان رأس المال البشري، واستنزاف الثقة بالدولة، موضحًا أن استمرار الوضع الراهن يجعل أي خطة إنقاذية مجرد وهم. في المقابل، أكد أن القرار الجريء يمكن أن يوقف هذا الانحدار ويعيد الأمل إلى اللبنانيين، وأن الوقت الآن هو الوقت المناسب للعمل قبل فوات الأوان، مؤكدًا أن كل تأجيل هو خسارة إضافية للوطن.
كما رسم جعجع خطوطًا واضحة لما يجب أن تتبعه الدولة: دعم الجيش اللبناني، اتخاذ القرارات السياسية الجريئة، إعادة الحياة الدستورية إلى مسارها الطبيعي، وضمان أن كل قرار يُتخذ ينسجم مع القانون والدستور. كلمات جعجع لم تكن شعارات، بل خارطة طريق عملية، تضع المسؤولية على عاتق كل من يقود الدولة وتحدد معايير واضحة لقياس جدية أي جهة في حماية لبنان ومستقبل شعبه.
ختم جعجع المؤتمر بتوجيه صرخة حاسمة لكل اللبنانيين وكل القوى السياسية: لبنان لن ينتظر أكثر، الدولة لن تُستعاد بالضعف، والوقت للعمل الشجاع هو اليوم، وإلا فإن التاريخ سيكتب أن لبنان ضاع على يد من تأخر أو ساير، وأن كل لحظة تمييع أو مسايرة تزيد الخراب. المؤتمر لم يكن مجرد حدث حزبي، بل لحظة فاصلة لتحديد مصير الدولة، لحظة تحث كل مسؤول وشعب لبناني على الوقوف بكل قوته أمام الواقع، لاستعادة الوطن، استعادة الكرامة، واستعادة الدولة بكل مؤسساتها وسيادتها، وفتح الباب أمام بداية النهاية للدويلة وبداية الدولة الحقيقية التي طالما حلم بها اللبنانيون.
إلى كل من يشكك في صدق وجرأة هذا الخطاب:
إنكم تغفلون عن الحقيقة الواضحة أمام أعين اللبنانيين، فقد كان خطاب الدكتور سمير جعجع اليوم دقيقًا، جريئًا وواضحًا إلى أقصى حد، يعكس وعيًا وطنيًا نادرًا في هذه المرحلة الحرجة. كل كلمة قالها تمثل صوت اللبنانيين الذين يريدون دولة حقيقية، لا شعارات فارغة أو تسويات ترقيعية، وتجعل من واجب كل مسؤول ومواطن أن يقف إلى جانب هذا الموقف الشجاع لحماية مستقبل لبنان. أي محاولة للتقليل من قيمة هذا الخطاب، أو التهرب من استيعاب رسالته الصريحة، هي مساهمة مباشرة في استمرار الانهيار الوطني وتضييع فرص إنقاذ الوطن. هذا الخطاب ليس مجرد كلمة حزبية، بل خارطة طريق لكل من يريد لبنانَ قوياً، حرًا، وسياديًا، ويثبت أن هناك قادة يعرفون حجم المسؤولية، وجرأة اتخاذ القرار الصحيح حين تحتاجه الدولة أكثر من أي وقت مضى.