IMLebanon

هرطقات لبنانيّة

 

منذ وصل رئيس الحكومة سعد الحريري إلى الولايات المتحدة بصفته والدٌ يرافق ابنته في لحظة مفصلية من حياتها تدخل فيها الجامعة، بدأت تنسج عشرات القصص مع الإعلان عن لقاءات للحريري مع وزير الخارجيّة الأميركي وبعض أركان إدارته، بلغت الهرطقة اللبنانيّة حدّ إطلاق كلمة «إستدعاء» أميركي لرئيس الحكومة اللبنانيّة، وأنّ المحاسبة الأميركية بانتظاره، والضغط عليه وإبلاغه أنّ فترة السماح الأميركي قد انتهت، للحقيقة الخيال اللبناني المريض خصوصاً عند بعض السخفاء الذين يستمتعون بإطلاق لقب «محللين سياسيين» على أنفسهم!!

 

ما الجديد الأميركي الذي طرأ على المشهد الأميركي ـ اللبناني، ولماذا يتجاهل البعض أن وزير الخارجيّة الأميركية الذي سيلتقيه رئيس الحكومة اللبنانيّة كان قبل أشهر أربعة فقط في لبنان يصول ويجول وبعث برسالة جديّة ومحذّرة لحزب الله معلناً أنّه «لن نقبل بالوضع الحالي الذي يمرّ به لبنان بسبب حزب الله ولن نقبل بسياسات حزب الله في لبنان، ولحزب الله وجود كبير في لبنان لكننا لن نقبل بذلك كأمر واقع»، ولنذهب أبعد من ذلك؛ ما الجديد في المنطقة على صعيد احتدام المواجهة بين أميركا وإيران، ما هي خلاصة التصعيديْن الأميركي والإيراني حتى بلغ الطرفان أعلى السقوف، ما الذي حدث؟ عملياً لا شيء، الجميع بانتظار خرقٍ ما في جدار الأزمة الكبرى، وبانتظار نتيجة عضّ الأصابع عبر سياسة العقوبات الشديدة التي فرضتها أميركا على إيران، غير هذا التوتر ما الذي تغيّر في هذا المشهد، لا شيء؟!

 

ربما علينا أن نذكر البعض نتائج زيارة وزير الخارجية الأميركي إلى لبنان قبل أن تسرح وتمرح مخيلاتهم في رسم سيناريوهات خياليّة لتعبئة الفراغ السياسي الفضفاض الذي يعصف بلبنان، في الأشهر الماضية لم تكن جولة مايك بومبيو، أكثر من مجرّد ثرثرة كلام لا طائل منه، سبق وقلنا «أميركا لم ولن تفعل شيئاً لحزب الله، رفع بومبيو صوته وقال: «لن نقبل»، حسناً ماذا فعلت أميركا بعد «عدم القبول» لا شيء؟!

 

حزب الله لم ولن يعترف بأنّه أخذ لبنان إلى هاوية الرّغبات الإيرانيّة الخامنائيّة المفرطة في ادّعاء القوة والممانعة على حساب دماء اللبنانيين والسوريين والعراقيين واليمنيين والنيجيريين أيضاً، هذا حزب مكابرٌ مكابرة «إبليسيّة» لا يعترف بأخطائه ولا بهزائمه ويتقن بتقيّته قلب أخطائه إلى «إنقاذ» وهزائمة إلى «انتصارات إلهيّة»، ومن المؤسف أنّ الجميع يعلمون أنّ حال الاختطاف هذه لن تنتهي إلا بحربٍ تنهي «عنجهيّة» إيران وحزبها، وما أشبه وضع لبنان اليوم مع حزب الله بحزيران العام 1982 عشية اندلاع حرب الاجتياح الإسرائيلي التي اقتلعت منظمة التحرير الفلسطينيّة من جذورها وأخرجتها من لبنان.. وهنا يدرك الجميع أن لبنان الدولة والحكومة والمؤسسات العسكرية والشعب عاجزين جميعاً عن مجرّد التفكير بمواجهة مدمّرة مع حزب الله، لا يوجد لبناني واحد عاقل يقبل بأخذ البلد إلى «حرب أهلية» مدمّرة من أجل أميركا أو من أجل دول الخليج أو من أجل أيّ أجندة كانت، إنّ حدود ما باستطاعة لبنان أن يفعله وسط هذا الصراع الدولي ـ وهو أكبر منّا بكثيرـ الصمود ثمّ الصمود ثمّ الصمود والحؤول دون سيطرة حزب الله على كلّياً ونهائياً على لبنان، فقط لا غير.

 

مهما كانت الرغبات الأميركية التي ستتظهر خلال لقاءات الرئيس الحريري في واشنطن، من الصعب جدّاً مطالبة اللبنانيّين اليوم بتحمّل أوزار حرب مدمّرة قد تنشب في إطار المواجهة بين الولايات المتحدّة الأميركيّة وطهران، ومن الصعب جدّاً أيضاً مطالبة اللبنانيّين الرّافضين كلّياً لسياسات حزب الله الإيرانية وكلّ ما يترتّب عليها من تبعات على لبنان وعلى اللبنانيّين، لا تملك أميركا أكثر من سياسة العقوبات، وهذا أذىً قد يطال لبنان أيضاً، ولا تملك الحكومة تجاه هذه السياسة أكثر من محاولة ادّعاء أنّها غير معنيّة بحزب الله وسياسته، وهي تعلم أنها كاذبة ودول العالم تعلم أنّها كاذبة، لأنّها تجلس هي وحزب الله على نفس الطاولة في نفس الحكومة، وسواءً أعجبتنا الحقيقة أم لم تعجبنا، حزب الله يمثّل شريحة كبيرة من اللبنانيين في المجلس النيابي، ولبنان محكوم بهذه الخلاصة.

 

ولمناسبة التهويل على لبنان الضعيف بـ»المحاسبة» الأميركية لرئيس الحكومة، تجعلنا نقول وسواء أعجبنا ذلك أم لم يعجبنا: كان حزب الله في العام 1983 «قدّ الفتّولة» ودمّر الوجود الأميركي في لبنان، الوجود الديبلوماسي والوجود العسكري الأميركي، خرجت أميركا بأساطيلها «هريبة» من لبنان ، كان حزب الله «قدّ الفتّولة» وقام بزعزعة أمن الخليج العربي في السعوديّة والبحرين والكويت فجّر ودمّر ودرّب وشكّل فروعاً لحزب إيران في معظم هذه الدول، وما تزال هذه الأحزاب «الإلهيّة» مستترة تنتظر لحظة الصفر لشنّ حروب «ظهور المهدي الإيراني»، أين كانت أميركا وماذا فعلت منذ الثمانينات وحتى اليوم؟!