مضى الشهر الذي سبق تسلّم الموفد الأميركي توم برّاك الردّ اللبناني على تصوّر إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسلام بين لبنان وإسرائيل، من ضمن استراتيجية سلام وتطبيع بين إسرائيل وجيرانها العرب، مضى على نقاش لبنانيّ حادّ حول طبيعة الردّ ومكنوناته والنقاط التي أدرج فيها لبنان الرسمي نظرته. وقد جاء هذا الردّ بعد أخذ وردّ سياسي على وقع الضربات الارتدادية الإسرائيلية ضد الذراع الإيرانية العسكرية في لبنان، حيث أتت قضية الردّ بعد حربٍ إسرائيلية طاحنة ضد الأذرع الإيرانية كافة والتي استكملتها بضرب مركز القرار في طهران، وسحقت ودمّرت من خلاله قوى المحور الاستراتيجية، التي شكّلت تهديدات للمدن الإسرائيلية، فارضةً عليها جميعها في الجولة الأخيرة الصمت العسكري الواضح، إلّا جبهة واحدة بقيت مدوّية، وهي جبهة الإعلام المُمانع المنفصل عن الواقع وعن العقل السليم وعن المنطق، والمُتمسّك، وللأسف، بمنهجية إبقاء القواعد والبيئة، بحالةٍ من التخدير.
خلال الشهر الذي سبق وصول الموفد برّاك، صال الإعلام اللبناني وجال على كافة القوى السياسية اللبنانية، فأدلى الجميع بما لديهم من أفكار وآراء، حول الردّ المُنتظر، ولكن بقي الردّ على طرح حزب “القوات اللبنانية” حول ماهية الردّ، من دون ردّ، وبقي الإبهام يلفّ هوية الردّ، فهل إنه ردّ إعادة الاعتبار للقرار اللبناني وللشراكة اللبنانية، أم إنه استمرار بسياسة الإلغاء للشراكة، بتضمينه المُستطاع المقبول من دويلة “حزب اللّه”؟
إنه ردّ لحظة الحقيقة، وليس فقط ردًّا تفاوضيًّا غير مباشر بين لبنان وإسرائيل، حول ترتيبات أمنية وعسكرية، بعد حرب ضروس مدمِّرة، من جهة واحدة، إنه، إمّا ردّ اعتبار للشراكة اللبنانية وللقرار الرسمي اللبناني، إن أتى عن طريق احترام الدستور والقانون، المُمثّل الأكيد للشعب اللبناني بأغلبيته العظمى، أي ردّ لبناني مؤسّس لدولة القانون والمؤسسات، إمّا ردّ مُراعٍ للذراع الإيرانية على الأراضي اللبنانية، أي فعليًا ضرب للشراكة اللبنانية وللوطن، وهو أمر لم يعد يُحتمل ولا يُمكن تغطيته من أحد ولا إمكانية لتمريره، بعد كلّ ما مرّ على الشعب اللبناني من مآسٍ نتيجة تغييب الشراكة ومصادرة القرار الرسمي اللبناني، بردودٍ سابقة من قبل الذراع نفسها.
إنه الردّ الذي يُشير إلى عودة الشراكة ودولة المؤسسات، أو الردّ الذي يُعلن انفراط عقدها للأبد، وذهاب كل مجموعة لتنظيم أمورها والعيش بكرامتها وقناعتها، إنه الردّ الذي يُكرّس مفهوم الوطن الشراكة، أو اللادولة التابعة لإيران أو لغيرها من مشاريع قد تنشأ مستقبلًا، إنه بالفعل، ردّ لحظة الحقيقة.
“الكلمات التي تصدر عن المرء تُعبّر عن أفكاره، والأفكار تُعبّر عن وجدانه وواقعه وقناعته” ومع هذا الردّ فلم يعد هناك شيء اسمه ردّ تمرير الوقت والتهرّب من المسؤولية، بل ردّ يُعبّر عن القناعات، ولو سلّمنا جدلًا بأنّه ردّ ربح للوقت، فهذا أيضًا مُعبّر عن طبيعة أصحاب الردّ.
وبالنهاية، فالمطلوب من لبنان الرسميّ الردّ على قرار يُنهي الحالة الشاذة التي تعيش بداخله وتنخر من جسده، ردّ يوصلنا إلى السلام الذي يُبعد الحروب عن اللبنانيين ويسمح لهم بإعادة بناء قطاعاتهم وتنظيم حياتهم. المطلوب الردّ الذي يكشف استعداد القيّمين على السلطة اللبنانية لاستغلال الفرصة الأخيرة لبناء وطن الشراكة، فالفرصة الآن، هي ليست فرصة الخلاص فقط، بل فرصة البقاء والوجود الحرّ.