IMLebanon

النظام اللبناني متجذّر ولا خوف عليه

كتبت الأسبوع الماضي عن الأسباب المجتمعة التي تحاصر الحراك المدني وتساهم تدريجاً في إضعافه وصولاً الى القضاء عليه. ليس الهدف الانتقاص من قيمة الحراك الذي ما زلت أؤيده، وأثمن حيوية المشاركين فيه وإن تعددت أهدافهم ومشاربهم، فأنا أنظر الى الجانب الإيجابي فيه وهو تحريك المياه الراكدة في المستنقع اللبناني، ورفع الصوت ضدّ منظومة الفساد التي استفحلت وتضاعفت وازدادت وقاحة مرتكبيها. فإعلان رفض واقع إغراقنا في النفايات جاء نتيجة إهمال البعض وتواطؤ البعض الآخر في صفقات مشبوهة يتشارك فيها أكثر من طرف، ولا يجرؤ أي طرف، ولو ادعى العفة، على فضح الآخرين، في ما يشبه الاتفاق على تقاسم السلطة والكراسي والمغانم… هذا الحراك، وإن وقع في أخطاء، مقصودة وغير مقصودة، أو ركب موجته البعض ممّن طواهم الزمن، يبقى دليلاً الى أن “شعب الفينيق” لا يستسلم ولا يرضخ لواقع مرّ ولو استمر دهراً.

لكن الحقيقة ان الحراك الذي يجمع عشرات الآلاف، وأكثر بكثير من الذين ينزلون الى الشارع، لا يبلغ عددياً ما يوازي الموالين لهذا النظام والمتمسكين به. فالنظام، الذي نشتمه ويدعو البعض عبثاً الى إسقاطه، يحرص كثيرون عليه، ويخافون تغييره.

هذا النظام يوافق الأحزاب السياسية في معظمها لأنها تتقاسم الحصص فيه، وفي المواقع النيابية والوزارية والوظائف العامة، ولولا هذه المكاسب لهجرها مناصروها وأكثرهم لا مبدأ لهم سوى انتماء غريزي مذهبي طائفي أو مصلحي. ويوافق النظام معظم الزعماء والمسؤولين لأن النظام الانتخابي الطائفي يساعدهم في التربع على مقاعدهم ويوفر لهم توريث أبنائهم من بعدهم. وبقاؤهم في السلطة يضمن لهم ولعائلاتهم سلسلة من الامتيازات والخدمات، ويفتح لنسائهم الصناديق لتنظيم المؤتمرات والاعمال “الخيرية”.

والنظام اللبناني يوافق الطوائف والمذاهب، وأربابها الأقوياء الى حد كبير، لأنهم يؤثرون في مجمل الحياة العامة، وهم يفيدون من ترك الدولة أمور العباد لهم يتحكمون بها إنسانياً ومالياً، كما يتمتّعون بامتيازات مالية واجتماعية تفوق ما هو لأي مواطن آخر.

والنظام الحالي بفساده ورشاواه يفيد كبار التجار والصناعيين وأصحاب المصارف لأنه يساعدهم في التهرّب من الضرائب والرسوم، ويوزع عليهم أرباح سندات الخزينة والمناقصات وغيرها في شبكة مقفلة يصعب اختراقها.

والنظام عينه يفيد أمنيين كباراً، فيحفظ رؤوسهم ويضمن ترقياتهم ويمنع محاسبتهم على أخطاء يرتكبونها عمداً بتوزيع ولاءاتهم على السياسيين.

والنظام إياه يفيد موظفي الدولة إذ يمنع صرف أي واحد منهم مهما ارتكب من أخطاء، ويحول دون معاقبة أحد محمي من زعيم أو طائفة.

من يكون إذن ضد النظام الحالي؟ علمانيون ومواطنون عاديون لا حول لهم ولا قوة، كلما تحركوا تألبت عليهم كل فئات المتضررين منهم، والمنتفعين من النظام، والخائفين من كل تغيير، لقمعهم، وغالباً ما تنجح حركتهم.