IMLebanon

لبنان الآتي

 

من تحت الركام، وبين ذرّات الرماد، وفي غمرة الغيوم الحارقة التي حجبت الأجواء، يُطلّ لبنان الآتي عبر هذه النخوة الرائعة التي يُبديها شعبنا العريق، في تضامنٍ وطني حقيقي.

 

من كل محافظة، وقضاء، ومدينة، وقرية، ودسكرة جاءوا. شباناً وشابات، في اندفاعة عفوية، وبوتيرة رائعة، وإن غير منظمة أو ممنهجة، ليقولوا: نحن هنا. العروس الرائعة بيروت مصابة. مدمّرة. تبكي شهداءها. تلبس الرماد بدل ثوب الزفاف وتُتوّج بالشهادة بدل الغار. وتزهو بالصمود بدل البهرجة… ولن نتركها.

 

وليضيفوا: بيروت التي صنعت لنا مجداً منذ فجر التاريخ لن تكون وحيدة. ها نحن نأتيها من كل حدبٍ وصوب، لنبلسم جراحها، لنخفف آلامها، لنرد لها بعضاً من جميلها.

 

وليمضوا قائلين: قد لا نملك الآلات الضخمة ولكننا نملك الرفش والمعول والمكنسة. فهذه البهية الجميلة الرائعة لا يجوز أن نتفرّج عليها في محنتها. وقد لا نملك مقوّمات الترف ولكننا نملك وجبة الطعام أو المنقوشة أو عبوة المياه أو السترة أو قرش الأرملة. ونملك إلى ذلك حباً كبيراً هو بعض من حب بيروت للوطن كله ولأبنائه جميعاً.

 

أيتها الصبايا وأيها الشبّان، أيتها المؤسسات المدنية، يا شباب لبنان وأيها اللبنانيون الذين فتحتم أبوابكم لمن لم تبقَ لهم أبواب، بيروت التي فاخرتم بها العالم تفتخر بكم، بحماستكم، بإيمانكم، بروح التضامن التي أظهرتموها، بدموعكم التي ذرفتموها، بسواعدكم المفتولة، وبإرادتكم الصلبة، وبتصميمكم على أنكم لها في محنتها كما هي لكم في كل حين.

 

يا شباب لبنان، شاباتٍ وشباناً، أفراداً وجماعاتٍ ومؤسسات، أنتم مستقبله الذي سيكون زاهراً بإذن الله. إن حميّتكم وحماستكم وغيرتكم ونخوتكم ومبادراتكم هي، في معناها الوطني والإنساني والوجداني، خصوصاً في عفويتها، أعظم من أي كلام، وأبهى من أي تنظيرٍ سخيف، وأشرف من أي مظهرٍ كاذب. وكلامكم الذي عبّرتم به عن عواطفكم هو أصدق من خطابات المنابر البرّاقة ودسائس التكايا المستهلكة وذرائع المقامات المهرّجة.

 

يا شعب لبنان الذي تقاطر إلى «أم الدنيا»، أنت العزاء حين عزّ العزاء، وأنت البلسم حين الجراح تصرخ، وأنت المنّ والسلوى حين السموم والعَفَن. وأنت الشعاع المنسَلّ من عين الشمس لينير طريقاً للمستقبل المشرق الآتي بالرغم من هذه العتمة المخيّمة فوق الوطن الحزين.