IMLebanon

يوم لبناني جميل!

 

توكَّلَ على الله واتّـجه نحو سيّارته في ضُحى يوم مُشرق كل ما فيه يدعو إلى التفاؤل، هَمَّ بركوب سيّارته عندما تبيّن له أنّ الإطار على الأرض. منذ شهرين يؤجّل تبديل الإطارات، أي منذ أن كان سعر صرف الدولار يُراوح بين 6,500 وسبعة آلاف ليرة لبنانية. استصعبها ولكن حانَ الوقت. وموسم الأمطار على الأبواب، فلم يعد مسموحاً المزيد من التأجيل. لم يُفاجأ بالسعر: 200 دولار للإطار الواحد من النوع الجيّد في الصنف الوسط. فأقدم مرغماً وسدّد سبعة ملايين ومئتي ألف ليرة (7,200,000 ل.ل.) ثمن الطاقم. وعندما أدارَ المفتاح تمنّعت السيّارة، ليكتشف أنّ البطارية التي يوجبها المحرّك ثمنها مئة وعشرة دولارات، و»كرمالك» إدفَع فقط مئة دولار… وهي أيضاً ليست «الأصلية». فسَدّد تسعمئة ألف ليرة (900,000 ل.ل.) وهو يتساءل: إذا كان هذا اليوم بدا مُشرقاً والحال على هذا المنوال فكم بالحري لو كان ضبابياً أو مُمطراً؟!

 

ذهبَ إلى السوبر ماركت وفي جيبه اللائحة المعهودة. الذين من القرّاء يتسوّقون مستلزمات البيت يعرفون بداهةً ما ينتظره. وغادر بفاتورة أرقامها خرافية وأظرف ما فيها أنّ ثمن الخسّة التي لا يتجاوز عدد ورقاتها (ومن دون قلب) تسع – عشر ورقات بلغ ثمنها ستة آلاف وخمسماية ليرة. وتذكّر في مطلع سبعينات القرن العشرين الماضي، عشية الحرب، عندما إقتنى سيّارة «من الوكالة» بعشرة آلاف ليرة أي بأقلّ من ثمن خسّتين.

 

ولمّا كان لا يبتاع اللحوم والأسماك من السوبر ماركت، قصَد الملحمة ليكتشف أنّ تسعيرة وزير الإقتصاد والتجارة ليست موجودة إلا في الحبر على الورق وأنّ الأرقام تتجاوز الثلاثة أضعاف. ولم يُكمل باتّجاه المسمكة فليس له طاقة على المزيد.

 

وعادت به الذاكرة إلى بعض أصدقائه من الموظفين في القطاع العام الذين «عيّدوا» إثر إقرار سلسلة الرتب والرواتب المشؤومة ليتذكّر أيضاً وزير الإقتصاد في حينه رائد خوري الذي تفرّد بعدم الموافقة على المشروع في مجلس الوزراء والذي قال للمسؤولين والموظّفين «إنكم في خطأ جسيم لأنكم عملتم على ذوبان الليرة أمام الدولار، وإنّ غداً لناظره قريب».

 

إحدى الفواتير التي سدّدها إنتهى رقمها المرتفع بليرة (يعني كذا وكذا وكذا 000 وليرة واحدة) وقاده الحنين إلى الماضي يوم كانت الليرة الواحدة تُنزله من بيته في الأشرفية إلى وسط العاصمة فيدفع عشرة قروش ثمّ يتناول ساندويش الشاورما بربع ليرة، ومن ثمّ يدلُف إلى السينما (بلكون) ويدفع خمسين قرشاً، ويجرع زجاجة «كازوز» بخمسة قروش ويعود كما جاء بعشرة قروش.

 

يومها لم يكن ميليونيراً يتعامل بملايين الليرات كما اللبنانيون اليوم!