IMLebanon

لبنان ومار مارون

«الناسك مارون اعتزل على قمة جبل في المنطقة القورشيّة شمالي غربي مدينة حلب وكرّس على قمة هذا الجبل، معبدًا وثنيًا مهجورًا، ككنيسة يقوم فيها بتأدية شعائر العبادة، أما هو فقد عاش تحت جو السماء دون سقف سوى خيمة صغيرة لم يكن يستظل بها إلا نادراً»…

«اسم الموارنة يرجع إلى اسم القدّيس مارون، المتوفَّى حوالى 410. أما القدّيس مارون، شفيع كنيستنا التي تُعيِّد له في التاسع من شباط، فقد ابتكر طريقةً نسكيّةً فريدةً من نوعها على جبل قورش في سورية الأولى، قوامها العيش في العراء» [المجمع البطريركي الماروني، في هوية الكنيسة المارونية، مادة عدد 6].

لا يشبة موارنة اليوم موارنة مار مارون، الزهاد والنساك الذين اكتسبوا صلابة الصخر وعمق الوديان وشموخ الجبال والفكر المستنير الذي حفظ اللغة العربية ونقّاها وألفّ فيها المعاجم وسطّر الأدب والشّعر، في أحلك أيام عنصرية «تركيا الفتاة»، وهم بكامل وعيهم أنّها لغة القرآن والعرب، ليس هؤلاء كأولئك، إلا من رحم الله منهم فأدركوا أنّهم وإن تمظهروا بصورة الزمن الحاضر في السياسة والقيادة فإنّ بواطنهم عليها أن تحافظ على صلابة يقين وعزم أولئك الأوائل…

هذا كلام، قد يجده البعض مستغرباً من مواطنة لبنانية عربية مسلمة، ولكن لا أكون منصفة إن لم أُشِر إلى أنّ عصريْ النهضة الأولى والثانية التي خرج بها العرب من عصر الانحطاط «المملوكي والعثماني» الذي تبع حريق مكتبة بغداد على يد التتار المغول، الذين وصفوا دائماً بالهمجية، ومع هذا فإنّ مجرد تفكيرهم في حريق مكتبة بغداد يشي بذكائهم الحاد لتدمير أمة العرب والمسلمين، ومن عظيم فضل المسيحيين في عصور الخلافة العربية، وعظيم فضل موارنة لبنان على العرب حفظ لغتهم وإعادة بعث الشعر والآداب العربية وتحبير المجلدات فيها.

يذكر المطران يوسف الدبس، أنّ مار يوحنا مارون، عندما انتقل إلى لبنان في الهزيع الأخير للقرن السابع، نقل معه هامة القديس مارون، ووصل إلى البترون في 5 كانون الأول فشرع الموارنة بالاحتفال بعيد القديس مارون في ذلك اليوم. حسب التقليد الماروني أيضًا، فإنّه عند وفاة مار يوحنا مارون شرع الموارنة بالاحتفال بذكراه في 9 شباط، وهو تاريخ تدشين الكنيسة والدّير الذي شيّده في كفرحي لدى وصوله إليها، ومن ثم دمجت الكنيسة بين عيدي القديسيْن في يوم واحد هو 9 شباط، كما يظهر في الكتب الليتورجية المارونية. لاحقًا في القرن الثامن عشر نقلت البطريركية المارونية عيد مار يوحنا مارون إلى 2 آذار، وهو ما اعتبر بحسب التقليد الماروني تاريخ وفاته، وإبقاء تاريخ 9 شباط لتذكار مار مارون وحده، وهو ما يزال متبعًا حتى اليوم»، وما بين 14 و 5 و9 شباط، يبقى أنّنا إذا جمعنا الرقمين 9 مع 5 سنحصل أيضاً على التاريخ الأول للاحتفال بذكرى القديس مارون 14 شباط، أيُّ نُذُرٍ تكتنف سرّ هذا الرّقم وما يمثله في تاريخ لبنان الحديث على لبنان الهويّة والكيان وعلى المسلمين قبل الموارنة والمسيحيين…

هذا الزمن اللبناني السياسي الرديء ما زال قدرُ الموارنة «المقاومة اللبنانيّة» وأن يخرجوا لبنان من احتلالات تتوالى، وكلّ احتلال منها يسعى إلى تغيير وتزييف هوية لبنان بأخرى غريبة عنه، اليوم وأكثر من أي وقت مضى لبنان وبعد قرون طويلة من «المقاومة اللبنانيّة» بات اليوم قدر اللبنانيين جميعاً مسيحيين ومسلمين.