IMLebanon

لبنان يستطيع الانتظار أيضا…

 

لم يعد سرّا ان لبنان يمرّ حاليا في ازمة عميقة يعبّر عنها العجز عن تشكيل حكومة تستطيع الانصراف الى معالجة المشاكل الكبيرة التي يعاني منها البلد. تبدو الازمة مفتوحة على كلّ الاحتمالات، بما في ذلك طرح موضوع النظام القائم الذي في أساسه دستور ما بعد اتفاق الطائف الذي اُقرّ في العام 1989  وكرّس المناصفة.

 

ام تعد مسألة تشكيل الحكومة مرتبطة بالحصص الوزارية والرغبة في الإساءة الى سعد الحريري فقط. تجاوز الامر ذلك. هناك من يريد تأكيد ان الجهة التي تشكل الحكومة وتختار الوزراء باتت معروفة. انّها الجهة نفسها التي تختار من يكون رئيس الجمهورية في لبنان. في نهاية المطاف، لم ينتخب رئيس للجمهورية الّا بعد قبول الجميع بان يكون هذا الرئيس هو الشخص الذي رشّحه “حزب الله” لشغل الموقع.

 

يندرج ما يشهده لبنان حاليا في سياق سلسلة من الانقلابات حدثت في مرحلة ما بعد الطائف. كان الانقلاب الاوّل في الثاني والعشرين من تشرين الثاني – نوفمبر 1989 عندما اغتيل الرئيس رينيه معوّض الذي كان يعبّر عن الروح الحقيقية لاتفاق الطائف بغطائيه العربي والدولي. كان مطلوبا نزع هذين الغطائين عن لبنان ما بعد الطائف وتكريس الوصاية السورية. هذا ما حدث بالفعل عندما اقدم النظام السوري على التخلص من رينيه معوّض بطريقة مباشرة. هذا لا يحدث الّا نادرا. فالنظام السوري يلجأ في معظم الأحيان، كما الحال لدى اغتيال بشير الجميّل، الى أداة محلّية تقوم بالمهمة المطلوبة. كان تفجير موكب رينيه معوّض في يوم عيد الاستقلال من المرات القليلة التي ذهب مباشرة الى الضحية عبر اجهزته. سبق له ان فعل ذلك مع كمال جنبلاط في 1977 عندما تولّى المهمّة ضابط سوري معروف يدعى إبراهيم حويجي مع مجموعة من العناصر التابعة له.

 

مرّ الوصول الى مرحلة الوصاية السورية الكاملة على لبنان بمحطات عدّة من ابرزها اغتيال كمال جنبلاط ثمّ بشير الجميل ورينيه معوّض وصولا الى دخول القوات السورية القصر الجمهوري في بعبدا ووزارة الدفاع في اليرزة في الثالث عشر من تشرين الاوّل – أكتوبر 1990. حصل ذلك في ظروف باتت معروفة، بل معروفة اكثر من اللزوم، في ظلّ عجز فاضح لدى لبنانيين كثيرين، من المسيحيين خصوصا، عن قراءة موازين القوى الإقليمية والدولية.

 

ما يبدو مطلوبا في السنة 2018، من خلال تشكيل حكومة لبنانية برئاسة سعد الحريري، القيام بعملية انتقال نهائية للوصاية من السوري الى الايراني. هذا كلّ ما في الامر، لم يخف “حزب الله”، الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الايراني انّه يريد البناء على تفجير موكب رفيق الحريري وعلى كلّ ما تلاه من اغتيالات من اجل الوصول الى ما وصل اليه البلد اليوم.

 

لا يمكن الفصل بين اغتيال رفيق الحريري، الذي ادّى الى وقف كل المشاريع الهادفة الى إعادة الحياة الى لبنان، وبين الوضع الراهن. ما يجري حاليا هو سعي الى تكريس الانتقال من الوصاية السورية الى الوصاية الايرانية. مثلما مرّ تكريس الوصاية السورية بمحطّات عدّة، تمر محاولة تكريس الوصاية الايرانية أيضا بمحطات مختلفة انطلاقا من رفض تنفيذ القرار 1559 خريف العام 2004.  يدعو القرار الذي رفضه السوري والايراني الى حلّ كلّ الميليشيات اللبنانية، والمعني به هنا الميليشيا الوحيدة الباقية وهي ميليشيا “حزب الله”.

 

 

منذ التخلص من رفيق الحريري، استمرّت المحاولات الهادفة الى بلوغ مرحلة يشكل فيها “حزب الله” الحكومة اللبنانية. لم تُستهدف كلّ تلك الشخصيات اللبنانية الّا من اجل بلوغ الهدف المطلوب بلوغه. لم تحصل حرب صيف 2006  صدفة. كان هدف الحرب تحقيق انتصار على لبنان. هذا ما حصل بالفعل. لم يكن الاعتصام وسط بيروت الّا من اجل ضرب الاقتصاد اللبناني وتهجير ما بقي من الشباب المسيحي من لبنان.

 

لم يحصل شيء بالصدفة في لبنان. هناك محطات عدة مرت بها عملية فرض الوصاية الايرانية، او على الاصحّ عملية محاولة فوض تلك الوصاية. انّها عملية لا يزال اللبنانيون الشرفاء، على رأسهم سعد الحريري، يقاومونها. من بين المحطات غزوة بيروت والجبل في ايّار – مايو 2008. كان التخلّص من الحكومة الاولى التي شكلها سعد الحريري تمهيدا لتشكيل حكومة برئاسة نجيب ميقاتي من بين تلك المحطات.  كان الهدف الذي لم يتغيّر بلوغ مرحلة الاستعانة بغطاء دستوري من اجل الوصول الى ما وصل اليه لبنان حاليا.

 

ما مهّد للمرحلة الراهنة اغلاق مجلس النواب طوال ما يزيد على عامين من اجل الوصول الى النتيجة المتوخاة. في النهاية، لم يخف “حزب الله” في ايّ وقت ان الهدف من القانون الانتخابي العجيب الغريب الذي وضعه للبنانيين والذي جرت على أساسه الانتخابات الأخيرة، كان الطائفة السنّية. حقّق الحزب، عبر هذا القانون ما كان يسعى الى تحقيقه. كان يريد تحقيق اكثر من ذلك، في طبيعة الحال، لو لم يبذل سعد الحريري كلّ هذا الجهد الذي بذله خلال الحملات الانتخابية معرّضا حياته للخطر عبر نزوله الى الشارع والاختلاط بالناس في غير منطقة لبنانية.

 

حقّق “حزب الله” عبر اشخاص معينين يقبلون ان يكونوا لاجئين سياسيين لديه اختراقا سنّيا. همّه محصور في الوقت الراهن في إيجاد الغطاء الذي يكفل له ان يكون وصيّا، باسم ايران، على لبنان.

 

دخل لبنان الفصل الأخير من السيناريو الايراني الهادف الى وضع اليد عليه بطريقة دستورية، أي عبر ترجمة نتائج الانتخابات النيابية على المستوى الحكومي. يريد سعد الحريري واجهة لا اكثر. يريده ان ينفذ في 2018 ما رفضه من شروط إيرانية عندما زار طهران كرئيس للوزراء في تشرين الثاني – نوفمبر 2010.

 

الأكيد ان سعد الحريري لم يتغيّر. لن يشكل حكومة حسب المعايير الايرانية ولن يرضخ في 2018  لما رفض الرضوخ له من شروط في 2010، بما في ذلك فتح النظام المصرفي امام ايران مع ما يمكن ان يجلبه ذلك من مصائب وكوارث على البلد وعلى كلّ لبناني.

 

لا شكّ ان لبنان ليس لقمة سهلة تستطيع ايران ابتلاعها بسهولة وذلك على رغم كلّ ما قامت به من استثمارات وصولا الى انتخابات 2018. يمكن للبنان ان يدفع غاليا ثمن وقوفه في وجه الطموحات الايرانية… ولكن هل يمكن اعتبار طهران في وضع مريح يسمح لها بالتصرّف بالطريقة التي تصرفت بها في الماضي؟ هل ايران ما بعد العقوبات الاميركية التي ستشتد يوما بعد يوم هي ايران نفسها قبل هذه العقوبات؟ ذلك هو السؤال الكبير الذي يطرح نفسه هذه الايّام. ايران وادواتها قادرة على الانتظار. لكن لبنان، ومعه سعد الحريري، يستطيع ان ينتظر أيضا على الرغم من ان ذلك سيكلفه غاليا. لكن أي خسائر تظل اقل ضررا من الوقوع كلّيا تحت الوصاية الايرانية.