IMLebanon

من الضعف قوّة

 

 

لم يسبق أن هبط لبنان إلى هذا العمق من هاوية انهيار لا قعر لها. صحيح أنّ هذا البلد عرف أزمات هائلة في تاريخه الحديث منذ الحرب العالمية الأولى حتى اليوم، من مجاعات واضطرابات وثورات وحروب أهلية أسبابها متقاطعة بين الداخلي والخارجي. كما عرف احتلالات ووصايات من أقرباء وغرباء. وعرف من انتقام الطبيعة فيضانات وزلازل وانهيارات. وكان مسرحاً لجرائم مدويّة ببشاعتها وضخامتها من مسلسل الاغتيالات إلى اغتيال بيروت بتفجير المرفأ (…). ولكنه لم يعرف مرحلة بقساوة هذا الزمن شديد الوطأة، الذي يُنيخ بأثقاله على كاهل البلاد والعباد في ما يتجاوز القدرة على الحمل والاحتمال… ولكنّ المرحلة الحالية التي نعيش في جحيمها بلغت من الخطورة حدّاً، نحن على يقين بأنه لم تمرّ بمثله شعوبٌ كبيرة وبلدانٌ متقدّمة ودولٌ عظمى.

 

يبلغ هذا الواقع المؤلم ذروته في ضوء الانشقاق العمودي بشرخه الواسع بين اللبنانيين، مترافقاً مع أزمة مالية – اقتصادية – اجتماعية وضعت اللبناني بين أنياب الفقر والجوع والقهر والذلّ والعوَز والمهانة، وحوّلته إلى ما يصحّ فيه المثل الشهير: «كريم على مائدة اللئام»، «وبعد أن كان سِيْدها صار يُطبّلُ في عرسها».

 

وكأنه لا يكفينا تطيير ودائع الناس في المصارف، وتحكّم طبقة من القيادات الفاسدة في شؤوننا، وشراء الذمم في الانتخابات النيابية، حتى راحوا «يبشروننا» بأننا على أبواب اضطرابات تبدأ بتفكك القوى العسكرية والأمنية، مع ارتفاع خرافي في سعر صرف الدولار الأميركي إزاء عملتنا الوطنية بما يقضي على آخر مقوّمات الصمود في اللبنانيين.

 

إننا نعرف الضائقة الكبرى التي يواجهها الجيش اللبناني واستطراداً القوى الأمنية، ولكننا على ثقة بأن هذا الجيش قيادةً وضبّاطاً ورتباء وعناصر، يخلق من الضعف قوةً ومن الاستحالة حلّاً ويُغالب الصعوبات التي لا تُقهَر. لذلك نؤكد أنه سيبقى حصناً منيعاً في وجه الاختلال الأمني والفتن التي يحدّثوننا عنها، بالرغم من صعوبة هذه المهمّة في الظرف الموضوعي القائم.

 

إنها ليست دعوة إلى تفاؤل في الهواء، ولكنها بالتأكيد مناشدةٌ إلى العض على الجرح واحتمال ما لا يُحتمَل. فلا بدّ لهذا الليل من أن ينجليَ.