IMLebanon

لبنان معلّق بين صليبين

لا الجغرافيا تُنزلنا عن صليب السوري والإسرائيلي، ولا السياسة تنزلنا عن صليب العربي والإيراني، ولا أي انتخابات ستنزلنا عن صليب «الثنائية الشيعيّة» التي فرضت نفسها بقهر السلاح فصادرت الرئاسات الثلاث عنوة، ما أكثر صلبانك يا لبنان، وما أقلّ الذين لا يزالون مؤمنين بك، حتى في أعيادك تتأرجح بين صليب شرق وصليب غرب…

ستظل «الجغرافيا» صليبك أيها الوطن، ولا أفق مفتوحاً أمامك سوى البحر!! ولن نرميك فيه لنرتاح من خريطتنا المحبوسة في قمقم جواراتها سواء في الطمع، الطامعة بالماء، أم الطامعة بالتاريخ والأرض والشعب!! وستظل لعنة الممالك الفينيقية المنقسمة على نفسها والمتنازعة فيما بينها، والمتحدة فقط في لحظة خوفها من زوالها، قدرك!! وستظل لعنة «حربقة» تجارّها الذين جابوا العالم ومخروا موج البحار المتلاطم المترامي، وصدّروا الحرف وعلموا العالم أبجدية العلوم، قدرك من هذا العلم هو جاهلية الغرائز الطائفية والمذهبية!!

كنتُ أظنّك «المصلوب»، فإذا أنت «الصليب»، وإذا نحن المصلوبون عليك قدراً شاء أن تكون وطناً!! ويا حضرة «الصليب» هلا قلتَ لنا متى كنت وطناً؟ ومتى كنتَ موحداً؟ من زمن ممالكك الفينيقية الخمسة المتناحرة فيما بينها والمتوحدة مؤقتاً في مواجهة خطرٍ داهم؟!

ويا حضرة «الصليب» لبنان، قل لنا متى لم نكن مصلوبين في أرضك منذ ولادتنا، جيلاً بعد جيل بعد جيل؟! قل لنا أي قدرٍ هيّئك لتكون لنا «صليباً» معكوفاً أو مشطوباً أو مرفوعاً أو مكسوراً أو مهزوماً؟! وأيّ قدرٍ قضى بأن تكون الحروب قدرنا جيلاً من بعد جيل؟! ويا حضرة «الصليب» لبنان؛ جيلي يخاف من أن يكون قدره أن يولد قبيل نكسة العام 1967 ليروي له ذووه قدرهم في عيش ثورة العام 1958 من دون أن يخبروه أنها كانت اختباراً مصغراً للمشهد الذي ينتظر طفولتنا ويقضي على أيامها!!

يا حضرة «الصليب» لبنان، إلى متى سنُجرّ مصلوبين مجلودين على «جلجلات» ساحات الأجندات الناصرية والبعثية والفلسطينية والأميركية والروسية والعربية والإيرانية، إلى متى ستبقى فينا دائماً وبالمداورة طائفة ترهنك وترهننا تارة لأجندة عبدالناصر وأخرى لأجندة ياسر عرفات ومرة لأجندة معمر القذافي وأخرى لأجندة حافظ الأسد ووريثه في الحكم الديموقراطي بالانقلاب، ولأجندة الخامنئي وتهيؤاته المهدوية؟!

يا حضرة «الصليب» لبنان؛ تعبنا فهلا أنزلتنا قليلاً، هلا توقف هذا المشهد لنستريح قليلاً، وصدقنا سنعود ونفتح ذراعينا لنعلّق عليك من جديد، لأننا نحن المصلوبون «تباً لنا» لو تعلم كم نحبّك!!

»حضرة المصلوب» يا وطني، ما أكثر المصفقين لصلبك، وما أكثر المسامير التي تغرز في جبينك وقلبك وعينيك وتظل بهياً، ما أجمل تواضعك على عظمتك، وما أودع سكينتك عندما لا ترتعد خوفاً من كلّ الذين يودون افتراسك!! سكينة العارف الواثق بالله أن لا ينالك منهم سوء مهما احتالوا لذلك، وأنك مبارك في الأرض ومبارك في السماء..

حضرة «المصلوب لبنان»: أعيادك مباركة، وعسى أن يتدحرج عن صدرك حجر «الكواسر» الطامعة فيك من كل صوب، وعسى لا يسقط عن كاهلنا تراخياً أو ضعفاً أو خيانةً أو مللاً أو جبناً أو خوفاً، قدرُ الدفاع إلى الأبد عنك، كما نحبك وتحبّنا، «سيداً، حراً، مستقلاً»!!