IMLebanon

على لبنان وضع حد لتفاقم النزوح فيه

 

شكّلت الأسباب التي طرحها منفّذ الهجوم الإرهابي الأسترالي برينتون تارنت على مصلّي مسجدين في مدينة «كرايست تشورش» (أي كنيسة المسيح) في جزيرة ساوث آيلاند في نيوزيلندا الجمعة الفائت، في بيانه الذي حمل عنوان «البديل العظيم» ونشره على الإنترنت قبل تنفيذ الهجوم في 74 صفحة، موضوع دراسة جديّة تقوم بها الدول الأوروبية وعلى رأسها ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وإسبانيا، التي استقبلت في السنوات الأخيرة عدداً كبيراً من المهاجرين من الغالبية المسلمة من كلّ من المغرب العربي وسوريا وتركيا وباكستان وأفغانستان وسواها، على ما كشفت أوساط ديبلوماسية أوروبية، وذلك بغية وضع خطّة وقائية تحمي دولها من التطرّف والإرهاب أياً كان دينه.

 

فأسباب ارتكاب تارنت لهذه المجزرة البشعة التي أودت بحياة ما لا يقلّ عن 50 شخصاً وإصابة العشرات من جنسيات مختلفة، والتي فنّدها القاتل بأنّها تعود «الى التزايد الكبير لعدد المهاجرين» الذين اعتبرهم «محتلّين وغزاة»، لأنّ من وجهة نظره، «ليس هناك من بريء من بين المستهدفين، لأنّ كلّ من يغزو أرض الغير يتحمّل تبعات فعلته»، تشير، بحسب بعض المحلّلين، ليس فقط الى تنامي إيديواوجية اليمين المتطرّف وتبنّي سياسة معاداة المهاجرين، بل الى الخشية من بروز تنظيم مسيحي متطرّف لمواجهة المهاجرين المسلمين في العالم الغربي المسيحي، على غرار ما قام به تنظيم «داعش» المنتمي الى الإسلام المتطرّف من عمليات تهجير وتشريد وسلب ممتلكات المسيحيين في كلّ من العراق وسوريا ومصر ودول المنطقة.

 

فوجود أكثر من 70 مليون مهاجر من دول العالم في القارّة الأوروبية، بات يؤشّر فعلاً الى حصول انفجار ما، من قبل بعض الجماعات المسيحية المتطرّفة، كونها اعتادت على وجود لون طائفي واحد في دولها. وقول تارانت، على ما أضافت، عن أنّ سبب اختياره نيوزيلندا مسرحاً لجريمته، هو لأنّه أراد من ذلك «توجيه رسالة للغزاة (على ما أسمى المهاجرين المسلمين) أنّهم ليسوا بمأمن في أبعد بقاع الأرض»، جعل الدول الأوروبية غير البعيدة تشعر بالقلق من أن يصيبها ما أصاب نيوزيلندا من هجمات إرهابية. على أنّها كانت تخشى وتحتاط في السنوات الأخيرة من الإعتداءات الإرهابية المرتكبة من قبل التنظيمات المتطرّفة مثل «داعش» أو «جبهة النصرة» وسواهما، فيما باتت تقلق اليوم من بروز نواة تنظيم مسيحي متطرّف يطال المسلمين في دولها، لم تعرف إسمه بعد، لكنّه قد ينبثق عن أعمال ما يُسمّى «إزالة الكباب» (وهو مصطلح رائج على الإنترنت يرمز لنشاط «منع الإسلام من غزو أوروبا»)، خصوصاً وأنّ مساعدي مرتكب الهجوم تمكّنا من الفرار. ولعلّ هذا الأمر يدلّ على أنّ ثمّة جماعات من المعتقد نفسه، حضّرت لهذا الهجوم، وهو ليس عملاً فردياً وآنياً، إنّما جرى التخطيط له جماعياً منذ سنوات.

 

كما أنّ حديث المهاجم المسيحي المتطرّف عن أنّ «ارتكاب المجزرة جاء لأنتقم لمئات آلاف القتلى الذين سقطوا بسبب الغزاة في الأراضي الأوروبية على مدى التاريخ»، وأنّه «لا يشعر بالندم، بل يتمنّى فقط قتل أكبر عدد ممكن من الغزاة»، وقوله «إنّ أرضنا لن تكون يوماً للمهاجرين.. وهذا الوطن الذي كان للرجال البيض سيظلّ كذلك، ولن يستطيعوا يوماً استبدال شعبنا»، إنّما طرح تساؤلات عدّة، عن مدى تأثّر الدول الأوروبية بالهجرة المتواصلة اليها خلال العقود الماضية، وتعرّض بعضها لتغيير ديموغرافي فيها، من الممكن أن يُغيّر من هويتها المسيحية على المدى الطويل، سيما وأنّ المهاجرين المسلمين ينجبون أطفالاً أكثر وبسرعة أكبر ما دام يحقّ لكلّ رجل مسلم الإقتران بأربع زوجات في وقت واحد.

 

وأكّدت الأوساط نفسها، بأنّ القلق بعد مجزرة نيوزيلندا لم يقتصر فقط على الجزيرة نفسها، وعلى الدول الأوروبية أيضاً، إنّما طال المسلمين في جميع أنحاء العالم، وتحديداً المهاجرين، إذ شعروا بالتهديد الأمني المباشر لهم أينما كانوا. وتساءلت: «بعد الإسلاموفوبيا التي هدّدت مئات ملايين المسيحيين في العالم، هل ستكون المرحلة المقبلة لخوف المسلمين من «المسيحوفوبيا» التي على ما يبدو بدأت تشقّ طريقها في عالم التطرّف والإرهاب»؟!

 

أمّا في لبنان الذي يستضيف مئات اللاجئين الفلسطينيين منذ نكبة فلسطين في العام 1948 ومليون ونصف مليون نازح سوري على أراضيه منذ العام 2011 وحتى اليوم، أي ما يُشكّل نصف سكّان البلاد، فقد بدأ هؤلاء يشعرون بنوع من عدم الطمأنينة، على ما قالت مصادر سياسية مواكبة، بعد مجزرة نيوزيلندا، ليس لأنّهم مسلمون، سيما وأنّ لبنان هو بلد نموذجي للتعايش المسلم- المسيحي في المنطقة، إنّما لكونهم يعيشون خارج بلادهم، ما قد يُعرّضهم في أي وقت للهجوم عليهم من قبل بعض «المتضايقين» من وجودهم الذي طال لعقود وسنوات.

 

ولهذا فإنّه على الحكومة اللبنانية، على غرار ما تقوم به الدول الأوروبية المعنيّة، العمل على وضع دراسة خاصّة بالنازحين، ليس لمعرفة عددهم الفعلي، ودراسة أوضاعهم الحالية، وأسباب عدم رغبتهم بالعودة الطوعية الى بلادهم فقط، على ما أوضحت، إنّما للحدّ من تفاقم النزوح السوري، وتقليص عدد النازحين السوريين في لبنان في أسرع وقت ممكن عن طريق اتخاذ تدابير وقائية تحمي البلد من أي احتكاك غير مرغوب به بين النازحين السوريين وبين أبناء البلد لسبب أو لآخر.

 

وتجد بأنّ القيام بدراسة من هذا النوع، كبديل للإعتماد على أرقام مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين التي لا تضمّ العدد الفعلي للنازحين السوريين في لبنان، إنّما تُساعد أيضاً في الكشف أمام المجتمع الدولي عن عددهم المتفاقم، وليس الذي يقلّ عن المليون، بحسب أرقام المفوضية. هذا العدد الذي لم يتقلّص إلاّ بنسبة قليلة بفعل عمليات النزوح التي يُنفّذها الأمن العام اللبناني بالتعاون مع السلطات السورية، من ضمن المبادرة الروسية التي رحّبت الحكومة اللبنانية بها وتقوم بتنفيذها وفق الإمكانات المتوافرة.

 

وفي رأيها، إنّ قيام تنظيم مسيحي متعصّب يعود الى فكرة القتال والعنف، والتصفية الجسدية للآخر المختلف عن طريق ارتكاب المجازر أو الإبادات الجماعية، على ما عرف التاريخ على مرّ العصور، ويقوم على فكرة تغذية الكراهية ضدّ المسلمين المهاجرين (أو صراع البيض ضدّ السود) التي يقودها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وذلك على غرار ما حلّ بمسيحيي دول المنطقة من قبل الجماعات المتطرّفة في العراق ومصر وسوريا، يُشكّل خطراً فعلياً على لبنان كونه يضمّ عدداً كبيراً من اللاجئين والنازحين المسلمين. ففي لبنان، على ما كشفت بعض الإحصاءات، مقابل كلّ نازح سوري مقيم، ثمّة مهاجر لبناني الى دول الخارج، ما يعني أنّ النازحين الذين جرى استضافتهم لأسباب إنسانية بحت، باتوا يشغلون مكان اللبنانيين في وطنهم وأرضهم ومسكنهم ومعيشتهم، وهنا تكمن الخطورة التي يجب التنبّه منها.