IMLebanon

سمعة لبنان الدولية في الحضيض

جميع من يتابعون تطورات الاقتصاد الدولي يعترفون بان مجلة “الايكونوميست” البريطانية تعتبر من اهم الدوريات الاسبوعية الاقتصادية على مستوى عالمي.

و”الايكونوميست” التي اكتسبت شهرة جعلتها ترسخ بيوتاً للمشورة الاقتصادية والنشر الاختصاصي، على اتساع شهرتها، تقع في الخطأ بين الحين والآخر، لان كتّابها يسترخون ويرتاحون الى سمعة المجلة بدل السعي الى الاستقصاء الدقيق.

عدد المجلة الصادر في تاريخ 28/2/2015 تضمن في الصفحة 33 مقالاً تحليلياً عن مناخ الاعمال في لبنان وعنوانه المختصر كان: “الاضاءة، المسدسات، العراك”، وكما يقال المكتوب يقرأ من عنوانه، والمقال يتناول موضوع الكهرباء ويبيّن مدى التلاعب عبر المولدات وممارسات اصحاب المولدات غير الشرعية، ولنا عودة الى كل ذلك الذي ما هو سوى غيض من فيض من مؤشرات التخلف والممارسات الاحتكارية.

في المقابل، وقبل الخوض في موضوع احتكارات اصحاب المولدات، نشير الى رقم بالغ الخطأ في المقال اذ ورد فيه – و”الايكونوميست” لا تنشر اسم كاتب المقال – ان الدين العام يوازي نسبة 211 في المئة من الدخل القومي القائم، ولعله خلط، ويا ليت، بين اليابان، التي دينها العام على هذا المستوى، ولبنان، لكن اليابان تنعم بالكهرباء 24/24 على رغم تعرض مفاعلات نووية لديها للتوقيف إما بسبب انهيارات من الزلازل وإما تفادياً لانهيارات.

نعود الى لبنان، حيث تبين الارقام الرسمية ان مجمل الدين العام البالغ ما يساوي 66 مليار دولار يوازي 140 في المئة من حجم الدخل القومي القائم، ونحن أوضحنا في السابق ان حجم الدخل القومي القائم، استناداً الى الاحصاءات الرسمية، هو دون الواقع، والبنك الدولي يقدر ما يسمى الاقتصاد الاسود، أي النشاطات التي لا تدخل في السجلات الرسمية، بما يوازي 35 في المئة من مجمل النشاط الاقتصادي.

اذا اعتمدنا هذا المقياس، ومؤشرات الاقتصاد الاسود واضحة، من العمال السوريين في مجال الزراعة والاعمال، والعمال المصريين في مختلف انواع الخدمات، والتهريب القائم على قدم وساق، والبغاء، والخدم في المنازل غير المصرح عنهم، تصير تقديرات الدخل القومي الاقرب الى الواقعية على مستوى 62-64 مليار دولار، ويكون مستوى الدين العام بالنسبة الى الدخل القومي في اسوأ حال على مستوى 110 في المئة، ولعل “الايكونوميست” واجهت خطأ مطبعياً، فأضافت الى الرقم 100 في المئة.

لنتجاوز الخطأ المقصود او غير المقصود – واخطاء “الايكونوميست” المقصودة كثيرة – نجد الوصف المدرج لتصرفات اصحاب المولّدات الخاصة في البقاع معبّراً عن سبل التسلّط والتشبيح القائمين على قدم وساق لدى كل متمكن من دعم سياسي أو حامل لسلاح سياسي أو غير سياسي.

شركة كهرباء زحلة التي توفر الكهرباء من انتاج مصلحة كهرباء لبنان لزحلة وجوارها تميزت بحسن خدماتها وترفيع تجهيزاتها، وقد حصلت أخيراً على ترخيص يسمح لها بإنتاج الكهرباء من تجهيزات حديثة قابلة للنقل والتركيب بسرعة مع تحقيق وفورات ملحوظة لان الانتاج يتصل بشبكة التوزيع عن قرب، كما لا تهدر كميات ملحوظة من الانتاج على شبكة تمتد عشرات الكيلومترات وتتعرض للسرقات الموصوفة. ومنهجية شركة كهرباء زحلة كانت ستؤدي الى وفر على حساب عجز مصلحة كهرباء لبنان، لأن انتاجها من المولدات المنقولة والمتصلة بالشبكة مباشرة يؤمن وفورات تسمح بتأمين التيار للمستهلكين سواء أكانوا أفراداً أم مؤسسات تجارية، أم مدارس ومستشفيات الخ… ويمكن تقدير العجز بنسبة 10 في المئة من عجز كهرباء لبنان لان انتاج شركة كهرباء زحلة المفترض من المولدات المنقولة كان سيوازي 10 في المئة من طاقة الانتاج الفعلية حالياً.

بداية مشروع كهرباء زحلة، والتي تشابه من حيث توفيرها طاقة انتاجية قابلة للتحرك والوصل بالشبكة القائمة، أشاعت أملاً في إمكان زيادة انتاج الطاقة في وقت قصير نسبياً حتى على صعيد لبنان، لو اتبعت وسيلة عمل شركة كهرباء زحلة.

ومعلوم ان وزارة الطاقة تعاقدت مع باخرتين عائمتين وفرتهما شركة تركية لتعزيز طاقة الانتاج مدة ثلاث سنوات، وبكلفة أعلى من كلفة انتاج الوحدات النقالة التي وفرتها شركة كهرباء زحلة. وكان الامل لدى انجاز عقد الباخرتين العائمتين، ان يبدأ برنامج ترفيع طاقة معمل الزوق الحراري ومعمل الجية، وانجاز معمل حراري بطاقة 470 – 500 ميغاوات في منطقة نهر البارد تم التعاقد في شأنه لكن الاعمال تأخرت لان المدفوعات للشركتين المتعاقدتين لم تتوافر في الاوقات المطلوبة، وتالياً بقيت المولّدات الخاصة تحتل المساحة الاساسية في الانتاج، والطاقة من كل وحدة، أكانت صغيرة أم متوسطة أم كبيرة، يسعرها المشغل من دون أي قيد على الاسعار التي تفرض على المستهلكين الذين يمكن استغلال حاجاتهم الملحة الى الكهرباء سواء لأغراض الانتاج، والتدفئة، والدراسة، والاستشفاء الخ… ويمكن تقدير هدر المولدات الصغيرة بنسبة 15 في المئة في مقابل الانتاج من المصانع القائمة والعاملة، خصوصاً ان طاقة المولدات باتت تساوي الطاقة المركزية العاملة.

أصحاب المولدات الخاصة في البقاع وزحلة تظاهروا وطالبوا بمنع الاحتكار، والاحتكار يكون بالتحكم بالاسعار، وكهرباء زحلة عليها التزام التسعيرة الرسمية التي تنقص عن كلفة الانتاج، في حين أن اصحاب المولدات يبتزّون المستهلكين المساكين بفرض أسعار توازي ثلاثة الى أربعة اضعاف الاسعار الرسمية. ومن أجل الحيلولة دون تمكن شركة كهرباء زحلة من كفاية حاجات المواطنين على مدار الساعة، لجأ اصحاب المولدات أو العصابات التابعة لهم الى اطلاق النار على المولدات ليمنعوا توافر الكهرباء 24/24 بأسعار مقبولة. وتقدر “الايكونوميست” دخل أصحاب مولدات كبيرة نسبياً بـ30 الف دولار شهرياً.

كل ذلك يجري والسلطات الامنية لا تحرك ساكناً حيال اصحاب المولدات المخربين والمحتكرين، والهم الاساسي الذي يشغل هذه القوى التصدي للجهاديين واتباعهم.

من المؤكد أن قضية الامن هي القضية الاولى في لبنان اليوم، لكن القيامة الاقتصادية تفرض منع أي اضرار بمنشآت وتجهيزات تساهم في تأمين الكهرباء للمواطنين وخفض تكاليف معيشتهم.

قيامة لبنان اقتصادياً لن تكون ما لم نؤمن الكهرباء من محطات تغذى بالغاز – ولو بعد سنتين وبعد زيادة الطاقة 3000 ميغاوات – تبلغ كلفتها ثلاثة مليارات دولار دفعناها عن عجز الكهرباء خلال 18 شهراً من 2013 و2014.

ومن المؤكد أن الازدهار، أو النمو بنسبة 4-5 في المئة، لن يتوافر من تصريحات هزيلة بالنسبة للسياحة، وعطاءات سخية لموظفي كازينو لبنان الذين لا يعملون، والتركيز فقط على قضايا الحدود شرق عرسال.