IMLebanon

انخفاض مداخيل بلدان الخليج النفطية وآثاره الاجتماعية

تكاثرت تعليقات المحللين الغربيين وبعض الخبراء العرب على التداعيات التي ستشهدها منطقة الخليج مع هبوط موارد تصدير النفط بنسبة 50 في المئة وتصدير الغاز بنسبة 20 في المئة.

ان ظاهرة انخفاض اسعار النفط بقوة تبعث على التفكير في المفاعيل، على رغم ان التفكير الاساسي يجب ان يكون في اسباب التدهور وأهدافه. وبات من المعروف ان هبوط الاسعار نتج من انخفاض حاجة الولايات المتحدة الى استيراد ثلاثة ملايين برميل استعيض عنها بانتاج النفط – وبصورة أهم الغاز – من الصخور بواسطة تقنيات جديدة.

والاميركيون ارادوا من ذلك احراج روسيا في المقام الاول لانها البلد الاعلى تصديراً في العالم للنفط والغاز. فالصادرات لمصدري الطاقة توازي 14 مليون برميل من النفط يوميا. كما ان فنزويلا التي يعتبرها الاميركيون في سياساتها مناهضة لسياساتهم، اصيبت بضرر فادح. ذلك ان صادراتها كانت في المقام الاول الى الولايات المتحدة، وقد انحسرت بقوة، وتصاعدت المعارضة للرئيس مادورو الذي ورث الرئاسة عن تشافيز الذي كان قريبا من روسيا، وفكرياً قريباً من الافكار الاشتراكية الرئيسية.

هذا المقال يعرض للآراء السارية ويحلل ما هو مصيب منها وما قد يكون مفرطاً في الرغبة في الاضرار بروسيا وبلدان الخليج، كما فنزويلا، وايران الى حد أقل.

* * *

نمو الطلب على النفط في بلدان الخليج الاساسية لانتاج النفط وتصديره، أي الكويت وقطر والسعودية والامارات، تنامى بمعدل ثمانية في المئة سنوياً منذ عام 1972، في مقابل معدل نخو اثنين لبقية بلدان العالم.

وهذه الدول التي يبلغ عدد سكانها الاصليين والوافدين واحداً في المئة من سكان العالم، تستهلك خمسة في المئة من استهلاك النفط عالمياً، والسعودية التي تستهلك 25 في المئة من انتاجها، تستهلك قدر روسيا وأكثر من البرازيل التي سكانها 150 مليونا، والمانيا وسكانها 80 مليوناً.

السبب نمو السكان، والتطور الاسكاني والاعماري الذي جرى على قدم وساق، ورخص الاسعار، سواء للبنزين والمازوت أو الغاز أو الكهرباء، وكثافة استعمال السيارات ومعدات التبريد في أشهر القيظ.

سعر غالون البنزين في السعودية 45 سنتاً اميركياً في مقابل سعر كان يبلغ اربعة دولارات في الولايات المتحدة قبل هبوط اسعار النفط، وقد صار اليوم 2,5 دولارين، الامر الذي وفر على السائقين في الولايات المتحدة نسبة 40 في المئة من فاتورة استهلاك البنزين، والامر يصح بالنسبة الى استهلاك المازوت.

والاسعار المنخفضة شجعت على انجاز مشاريع صناعية تستهلك الغاز، والمازوت، والمشتقات بكثافة مثل مصانع الألومينيوم في البحرين، والصلب في قطر والسعودية، والاسمدة والبتروكيماويات في مختلف بلدان الخليج. كما ان هذه الاسعار ساعدت على الاسراف، ونتيجة الاسراف في الاستهلاك ارتفعت نسبة التلوث قياسا بعدد السكان الى مستويات تفوق ما هو متحقق في أوستراليا والولايات المتحدة، ولا تزال الصين البلد الاكثر تلويثاً للبيئة بغاز أوكسيد الكاربون.

واستناداً الى دراسات صندوق النقد الدولي، في حال الغاء الدعم في دول الخليج لاستهلاك الطاقة، تنخفض نسبة التلوث بغاز الكاربون بنسبة 13 في المئة عالمياً، وتالياً تساهم هذه الدول في حال اقدامها على خطوات في هذا الاتجاه بصورة رئيسية في انخفاض التلوث عالمياً، وفي تحسين المناخ البيئي على صعيد عالمي.

لقد اعتاد مواطنو دول الخليج كما العراق الاسراف في استهلاك الطاقة، وهذا البلد يزيد عدد سكانه عن السعودية بنسبة 25 في المئة، وعن الامارات ثلاثين ضعفاً، وتفيد التقديرات انه البلد الاغنى بموارد النفط، وان السنوات المقبلة ما بعد 2020 ستستوجب الاعتماد على العراق الى حد اكبر.

خلال السبعينات كان عدد سكان بلدان الخليج النفطية أقل مما هو اليوم، وعلى الارجح لم يكن يتجاوز نسبة 25 في المئة من عدد السكان الحاليين الذين ارتفعت اعدادهم بسرعة صاروخية مع توسع برامج الاعمار والتنمية. ويمكن القول إن الهنود والباكستانيين العاملين في بلدان الخليج النفطية يبلغ عددهم اليوم ما كان عدد سكان المنطقة اوائل السبعينات. والمشكلة ان الاسراف في الاستهلاك لمختلف مصادر الطاقة المستندة الى الغاز والنفط استمر على منواله منذ السبعينات ولم تستشعر دول الخليج الحاجة الى كبح الاستهلاك وضبطه إلا أواسط الثمانينات، ولفترة محددة انخفض فيها سعر برميل النفط من 30 دولاراً عام 1979 الى 10 دولارات عام 1992، وهذا الانخفاض أدى الى احباط خطط غورباتشيوف لتطوير الاقتصاد السوفياتي في حينه.

تفيد تقديرات كبار المسؤولين النفطيين في السعودية والكويت ان الغاء الدعم للبنزين والغاز والكهرباء والمازوت يؤدي الى انخفاض استهلاك الكهرباء في الكويت بنسبة 60 في المئة، وفي الامارات بنسبة 40 في المئة. وللتذكير فقط، نشير الى ان استهلاك دبي من الكهرباء، والذي ينتج بالاعتماد على مستوردات الغاز المسيل، ومن ثم تحويله الى غاز طبيعي للاستعمال في معامل انتاج الكهرباء، يوازي أربعة اضعاف الاستهلاك في لبنان. أما السعودية، فان هي اختارت رفع اسعار البنزين الى مستويات تضاهي أسعار البنزين في الولايات المتحدة، وهذه ادنى الاسعار في العالم الصناعي، فانها تحقق وفراً في الاستهلاك لمادة البنزين يبلغ نسبة 35 في المئة.

الكلام على الغاء الدعم لاستهلاك الطاقة بحيث تستطيع دول الخليج الاستمرار في تغذية الاستهلاك العالمي من دون استهلاك القسم الاكبر من انتاجها داخلياً خلال 10 – 20 سنة في حال استمرار السياسات الحالية، يبدو سهلاً. لكن الواقع ان الغاء الدعم لسلع اعتاد استهلاكها المواطنون، وخصوصا النفط والغاز وهما مادتان ضروريتان للتدفئة ليلا والتبريد نهاراً والانتقال للاعمال واستمرار نشاطات التصنيع، مسألة قد تثير ردود فعل تمهد لانتفاضات في البلدان المعنية وهي بلدان بدأت تستشعر مخاطر تحول الربيع العربي الى خريف تعصف باجوائه تعديات المتطرفين وممارساتهم التي تقرب أحياناً من الهمجية.

* * *

اننا نرى ان في الامكان التدرج في معالجة مخاطر انحسار القدرة على التصدير، وذلك باتباع برامج يمكن ان يتحملها الوافدون والمقيمون في ان واحد. وقد بدأنا نشهد خطوات كهذه. فالكويت مثلا رفعت اسعار المازوت، وأبو ظبي رفعت اسعار الكهرباء بنسبة معقولة للمواطنين، ونسبة أعلى بكثير للمقيمين.

ومن المعلوم ان دول الخليج تبرمج موازناتها بدقة. فالسعودية مثلاً، انجزت موازنة تنطوي على عجز يقدر بـ39 مليار دولار وهذا المبلغ لا يتجاوز كثيراً مردود استثمار المملكة على احتياطها النقدي، لكن التخطيط للمستقبل يستوجب تجاوز الاطمئنان المتوافر من الاحتياطات النقدية للكويت، والسعودية، وقطر والامارات وهنالك توقعان ينافيان السيناريو المخيف المعروض اعلاه.

اولا: أسعار النفط تفاوتت بين 1980 عندما كان سعر البرميل 37 دولاراً و1990 عندما كان قد هبط الى 23 دولاراً، وكانت هذه فترة حرب العراق – ايران (1980 – 1988). وعام 1986، وان هبط السعر الى 10 دولارات خلال فترة قصيرة، بلغ السعر الوسطي مدى العام 14,5 دولاراً للبرميل.

على رغم هذه الاسعار وضغط المعونات للعراق خلال الحرب العراقية – الايرانية، استمرت دول الخليج من دون ازمات الا ما يخص اسعار العقارات. اسعار النفط ارتفعت الى 37,5 دولاراً للبرميل عام 2004، وتابعت الارتفاع الى 91 دولاراً عام 2013. وخلال هذه الفترة كان النمو ملحوظاً في مختلف دول الخليج النفطية وارتفعت الاحتياطات النقدية لجميع الدول المعنية.

ثانيا: ثمة امكان لخفض الدعم من دون الغائه كلياً وحصر المشاريع الاعمارية الضخمة، بالمشاريع ذات الاهمية الاجتماعية، وتشجيع احلال المواطنين في مواقع يتوسع الاعتماد فيها على الاجانب. وليس هنالك من بلاد يفوق عدد الاجانب فيها عدد المواطنين ثلاثة أضعاف كما هو الوضع في الامارات وقطر، والى حد ما في الكويت، والى حد أقل في السعودية. ومن الامور المطروحة فرض ضرائب على معاشات الموظفين وارباح الشركات المتفرعة عن شركات كبرى، وهذا المنهج وحده يوفر مليارات الدولارات، علماً بان ضبط الاستهلاك يبقى ضرورياً.

ان امكانات الاقتصاد في استهلاك الطاقة ملحوظة، وثمة مساع لتطوير استعمال الطاقة الشمسية في الامارات على سبيل المثال، وخفض “التوقعات الاقتصادية للنمو بمعدل 1 أو 2 في المئة لبلدان الخليج لن يستتبع تذمر المواطنين الى حد كبير. فهؤلاء يدركون انهم ينعمون بمستويات معيشة واطمئنان لا تتوافر في منطقة الشرق الاوسط سوى لبلدان الخليج، وتالياً ان الحفاظ على الهدوء ضرورة لهذه البلدان وغالبية المقيمين فيها من جنسيات أخرى.

اخيراً، لا بد من القول إن سعر النفط قد يعود الى الارتفاع، والاسعار تتفاوت بقوة بين السنوات، وانتاج النفط والغاز من الصخور في الولايات المتحدة وكندا بدأ يتراجع، وبلغت نسبة التراجع خلال ستة اشهر 20 في المئة، وسندات ديون شركات النفط والغاز الصخري تبلغ 260 مليار دولار وقد انخفضت اسعارها بنسبة 35 في المئة.