IMLebanon

ماكرون … قبل الواقعة

 

ليس لفرنسا أطماع في لبنان. بالتأكيد لديها مصالح في بلدنا كما في بلدان عديدة أخرى. وربما لها مصالح معنوية عندنا أكثر من أيّ بلد آخر، في الجوانب الثقافية والتعليمية وربما الإقتصادية أيضاً، وتحديداً في الحفاظ على اللغة الفرنسية التي تُـحتضر في الشرق الأوسط، وهي أصلاً كانت على تراجع كبير في بلدان وجودها النسبي. على سبيل المثال، كانت الفرنسية لغة التخاطب بين الطبقة العليا في مصر، وقليلاً لغة النخبة البورجوازية التي تلي الطبقة العليا. وحتى في لبنان تستمرّ الفرنسية بالتراجع أمام زحف اللغة الإنكليزية على الطريقة الأميركية.

 

من هنا، ليس للرئيس الفرنسي، سواء أكان إسمه إيمانويل ماكرون أم أيّ إسم آخر، مطمعٌ في بلدنا. وبالتالي فإنّ أحداً لا يستطيع أن يزعم أنّ فرنسا راغبة في عودة الإنتداب أو في الإنتقاص من السيادة الوطنية اللبنانية. وليس مسموحاً مثل هذا القول خصوصاً من أيّ طرف كان قد أسلَسَ القيادة إلى الوصاية السورية أو التجاوزات الهائلة من قبل المنظمات الفلسطينية، أو إلى الإحتلال الإسرائيلي.

 

وعليه، فإننا ننظرُ إلى مبادرة رئيس فرنسا بكثير من التقدير والإمتنان. ونُسجّل له أنّ ملاحظاته كلّها، على قساوة بعضها، لم تخرج مرّة عن إحترام سيادتنا الوطنية. فالذين تتبّعوه مُتحدّثاً لاحظوا أنه يتكلّم كصديق ينصح صديقاً مع إستدراكه دائماً أنه لا يتدخّل في الشأن اللبناني الداخلي، وأنّ هذا الشأن أو ذاك هو قرارٌ يتّخذه اللبنانيون في إطار دستورهم وقوانينهم.

 

ومن أسفٍ أنّ اللبنانيين اعتادوا أن يتدخّل الخارج في شؤونهم، وفي مراحل عديدة كانوا يتلقّون الأوامر، ولا نكتفي بقول «التعليمات» و»التوجيهات» من الخارج حتى عندما كان هذا الخارج يتحرّك بغيرة علينا. فاتّفاق القاهرة أُنتِج في العاصمة المصرية، وإتّفاق الطائف أُنتِج في المدينة السعودية التي يحمل إسمها، وكذلك إتّفاق الدوحة. اليوم يدعو ماكرون إلى عقدٍ جديد بين اللبنانيين يُنتجونه بأنفسهم، في وطنهم، وينطلقون فيه من تجارب الإتّفاقات السابقة الحلوة والمرّة إن كان فيها من «الحلاوة» ما يمكن البناء عليه.

 

ولعلّ أهم ما في هذه الدعوة الفرنسية الصادقة أنّها تتطلّعُ إلى إتّفاقٍ يدرأ الحروب والنزاعات قبل وقوعها وليس لمعالجة ذيولها كما في الإتفاقات المشار إليها آنفاً، وتلك أهمّيتها.