IMLebanon

حصرية الدولة وسلاح المهدي

 

 

ليس جديداً تأكيد الشيخ نعيم قاسم أن “حزب الله مشروع وعقيدة وخط”. الجديد هو قوله إن الشيعة في لبنان “يتعرضون لتهديد وجودي”. ومتى؟ خلال الإعلان أن “حزب الله” على استعداد لمواجهة العدو. فكيف يمكن الانتقال من موقف القوة إلى موقع “التهديد الوجودي”؟ هل المسألة كلها هي الدفع في الداخل والخارج إلى سحب السلاح المرفوض من “حزب الله”، والذي لا يزال قراراً لم يصل بعد إلى مجلس الوزراء، وسط التزام “حصرية السلاح” في خطاب القسم والبيان الوزاري؟ وهل ما يخيف على الوجود الشيعي هو ما قادت إليه التحولات المتسارعة من نقص الهيمنة التي كانت شبه مطلقة على مدى سنين؟

 

 

 

إذا كان الشيعة يتعرضون لتهديد وجودي، فإن التهديد يشمل كل الطوائف. ولبنان كوطن نهائي لجميع أبنائه. ولا ضمان لوجود أي طائفة من دون ضمان لوجود لبنان. لا شيء يضمن وجود لبنان إلا الدولة الوطنية الديمقراطية، لا العلاقات الدولية ولا الضمانات الخارجية. وما أكدته الوقائع في حرب لبنان الطويلة هو أن السلاح لم يضمن وجود أي طائفة من الطوائف التي تقاتلت بالأصالة عن نفسها وبالوكالة عن الآخرين. ولا مجال للهرب من تعلم الدرس في حرب غزة ولبنان: سلاح “محور المقاومة” لا يردع العدو، ولا يحمي الشعب، ولا حتى يحمي بيئته وحامليه.

 

ذلك أن التحولات الاستراتيجية والجيوسياسية في المنطقة تتجاوز في العمق والأبعاد ما جرى ولا يزال في حرب غزة ولبنان، وما أدى إلى سقوط نظام الأسد على أيدي “هيئة تحرير الشام” ومجموعات عدة من السلفيين الجهاديين، وما كشفته الوقائع في حرب أميركا وإسرائيل على إيران، وما حدث قبل عقود في الصراع العربي- الإسرائيلي. وكل حقبة أخذت وقتها. حقبة العسكرة العربية للصراع مع إسرائيل، سواء عبر الجيوش الكلاسيكية أو عبر فصائل المقاومة الفلسطينية انتهت إلى مبدأ “الأرض مقابل السلام” واتفاقات منفردة ثم “اتفاقات أبراهام” حيث السلام مقابل السلام مع بقاء الأرض تحت احتلال كلي أو جزئي: وهذا فشل معلن. وحقبة العسكرة الإيرانية للصراع تحت عنوان التحرير الكامل لفلسطين، من خلال الأذرع الإيديولوجية المذهبية المسلحة المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني انتهت بإضعاف الأذرع وتوجيه ضربة قوية إلى الرأس في إيران وإلى البحث عن صفقة مع أميركا: وهذا فشل غير معلن.

 

وليس من الضروري أن ينطبق على تجارب العسكرة العربية والإيرانية قول أينشتاين “إن تكرار التجربة بالأدوات نفسها وتوقع نتائج مختلفة هو ضرب من الجنون”. لكن المؤكد أن التعلم من الفشل ليس أقل أهمية من النجاح. لا بل إن التعلم من النجاح يقود أحياناً إلى الغطرسة والكسل العقلي ورفض القراءة في التطورات، في حين أن التعلم من الفشل يفتح الباب أمام التواضع ومتابعة التطورات والإصرار على النجاح. والسؤال هو: ما الحاجة إلى السلاح إذا أكدت الوقائع أنه عاجز عن حماية لبنان وتحرير فلسطين؟ وما الحاجة في العراق الذي بنى جيشاً كبيراً إلى سبعين فصيلاً مسلحاً مرتبطة بالحرس الثوري وتتقاضى الرواتب من بغداد، حيث لا تحرير فلسطين ولا من يحزنون؟ الجواب في بيروت من رجال الدين والدنيا في “حزب الله” صار اليوم التركيز على شيعية السلاح والانتقال من تهديد من يمد يده على السلاح بقطع يده إلى التهديد بسحب أرواح الذين يتحدثون عن سحب السلاح. لكن المتحدث الأمني باسم “كتائب حزب الله” في العراق أبو علي العسكري يكشف اللعبة كلها بالقول: “سلاح المقاومة هو وديعة الإمام المهدي عند المجاهدين، وقرار التخلي عنه لا يكون إلا بيد الإمام”. وهو لا يعبأ بمرجعية السيستاني الداعي إلى “حصر السلاح بيد الدولة”، ولا بالطبع بربط مقتدى الصدر بين “الإصلاح ونزع السلاح المتفلت وحل الميليشيات وتقوية المؤسسة الأمنية العسكرية”. و”التخلي عن فكرة خاطئة هو أيضاً مقاومة”، كما قال مانديلا.