IMLebanon

ماجدة الرّومي وبيروت من الأيدي الخراب إلى موج الحساب

 

عشيّة ذكرى تفجير المرفأ وتدمير نصف بيروت سجّلت السيدة ماجدة الرومي موقفها إلى جانب المدينة وأهالي الشّهداء، لم تكن هذه السيّدة حياديّة يوماً ما ولا رماديّة، في اللحظات الصعبة التي يحشرون فيها لبنان وشعبه في أي زاوية تخرج شاهرة صوتها وموقفها وهي دائماً قادرة على اختيار كلمات الرّسالة التي تريد أن توجّهها ودائماً هذه الرّسالة صادقة وشفافة ولا تتجاوز أبداً وضوح لونيْ الورق الأبيض والحبر الأسود. هي قالت «بدّي سجّل موقف»، كلامها واضح لا التفاف فيه يذهب إلى الهدف مباشرة «بدّي أوقف مع أهالي الشهدا هذا أقل ما أستطيع فعله(…)» كانت واضحة إلى حدّ قولها: «انّو هيدي ورقة منطويها ومنكمّل متل بقيّة الجرايم» ولم تخفي في كلامها أننا «مخنوقين» ربّما لا تحدّد بـ«مين.. أي قوى دوليّة» ولكنّها تخلص إلى القول «يمكن كلّن».

 

نقول: نعم كلّهم، لم يجد لبنان في العالم كلّه دولة واحدة تتحلّى بالأخلاق الإنسانيّة تسلّمه تصوير أقمارها الاصطناعية للحظة تفجير مرفأ بيروت، لأنّ هذه الأقمار سجّلت من هو المجرم الذي قصف المرفأ وكشفت الإرهابي الذي خزّن النيترات ولأنّ الجميع لم يحسب أنّ ما سيحدث هو ثالث تفجير قوّة في العالم بعد التّفجير النووي الذي استهدف اليابان في الحرب العالميّة الثانية، لم تخفي أيضاً السيّدة ماجدة الرومي أنّ الأغنية «فيها حنين لبيروت التي نحبّها لأنهن عم يسرقوها منّا وأنّ القرار من إيدنا مصادر»… لا يحتاج اللبنانيّون إلى كثير تفكير ليعرفوا أنّ أغنية ماجدة الرومي هذه أهم وثيقة غنائيّة تسجّل حدثاً هزّ العالم في 4 آب العام 2020 ، تماماً مثلما سجّلت أعمال العمالقة صفحات خالدة من تاريخ أوطانهم، لا تزال ماجدة الرّومي على استخراج قصيدة من قصيدة، تحمل قصيدة «عندما تعود إلينا بيروت» إسم «محاولة تشكيليّة لرسم بيروت» في ديوان «تزوجتك أيتها الحرية» وهي مجموعة شعريّة سياسيّة صدرت عام 1988 بفارق زمني هو عشر سنوات بينها وبين «ستّ الدّنيا يا بيروت» التي صدرت عام 1978 في «مجموعة إلى بيروت الأنثى مع حبي»، لا أعرف كيف تحوّلت «الأرض الخراب» التي كتبها نزار وأصبحت مع ماجدة «الأيدي الخراب»، ولا كيف طلع مع ماجدة تساؤل نزار في القصيدة «أو يأتي مع الموج كتاب؟» فأصبح «أو يأتي مع الموج الحساب؟»!

 

عادة ما تأتينا ماجدة الرّومي ونحن في حضيض اليأس لترفعنا بصوتها فوق السّحاب، عام 1989 جاءنا صوتها يصرخ ببيروت «قومي يا بيروت.. إنّ الثّورة تولد من رحم الأحزان» وقامت، هذه المرة خاطبتها مباشرة ومن دون غناء قالت لها: «مهما يطول الزّمن بدّك ترجعي هيك بيقول تاريخك مش أنا بقول هيك.. كم مرّة تدمّرت وكم مرّة رجعت، وكم مرّة مرق عليها احتلال وكم إحتلال راح وهيّ بقيت، كلّن بيروحوا وهيّ بتبقى»… هذه أغنية توثّق جريمة التّدمير ومرتكبيها أيضاً.

 

كأنّ في هذا الغناء لبيروت قدرٌ ما مرسوم بوتر مشدود بصوت ماجدة الرّومي، كأنّه قدرٌ سطّرت حرفه الأوّل لبيروت يوم غنّت عام 1989 «جايي من بيروت» (كلمات الشاعر عبد الرّحمن الأبنودي) بهذه الأغنية وضعت نقطة على سطر القدر واختصرت ما سبق وما لحق «جايي من بيروت.. أصرخ بأعلى صوت/ قلّو للفجر يطلع ينوّر هالبيوت/ مهما الليل يليّل ومهما الحزن يطوّل/ في شعوب ما بتموت / ولا راح تموت / بيروت»..

 

هكذا اختصرت ماجدة لبنان وبيروت من جديد «هيدا بلد ما بيموت» ولكن الإحتلال وأذرعه «الأيدي الخراب» لا يفهم ولن يفهم حتى يُهزم، «آه يا بيروت.. كم أتعبنا هذا القدر؟».