IMLebanon

صرافون كثيرون خالفوا القانون وقاموا بتصريف الدولار بـ 1540 ل.ل.

 

أكثر من 250 ألف سائح لبناني إلى الخارج خلال 3 أشهر… والخسارة على الاقتصاد بملايين الدولارات

 

التخبّط السياسي عامل أساسي في ضرب القطاع السياحي والخسارة بأكثر من مليار دولار أميركي

 

 

لم يكتف لبنان بالكوارث التي تحل به على الصعيد السياسي حتى امتدت المواجهة السياسية الى الساحة النقدية مع انتشار معلومات على وسائل التواصل الاجتماعي بأنه يتم تداول الدولار الأميركي بـ 1530 ليرة لدى الصرافين. وبعد تحقيق قامت به جريدة «الديار» تبين ان فعلا هناك صرافين يقومون ببيع الدولار بـ 1530 وحتى 1540ليرة الا انه في المقابل رصد فريقنا أن سعر صرف الدولار لم يتخط الهامش الرسمي المسموح به من قبل مصرف لبنان اي 1501 – 1515 خصوصا في بنك عودة، لبنان والمهجر، سوسيتيه جنرال واف اند بي. المؤشرات النقدية تُثبت أن سعر صرف الليرة ثابت وأن لا قدّرة مالية لأي مُضارب مهما كان نوعه (أكان فردًا أو مؤسسة) للقيام بالمضاربة على الليرة اللبنانية. إلا أن بعض الصرافين يستفيدون من الوضع السياسي المُتأزمّ ممزوج بترويج لبعض الشائعات ذات الخلفية السياسية والتي تستهدف تحقيق نقاط بين الأفرقاء، وهذا الأمر مُعاقب عليه في قانون العقوبات من خلال المادتين 319 و320.

 

أيضًا وفي السياق ذاته، قال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أن من يتوقّع أن يتمّ تحرير سعر صرف الليرة أو انهيارها، فهو يحلم. وهذا الأمر نابع من قناعته أن الطبقة الفقيرة والطبقة المتوسّطة سيكونان أول المُتضررين من هكذا أمر. لذا وكما قال في عدّة مناسبات، «لا تُعوّلوا على ضرب الليرة».

ماذا رأت صحيفة «الغاردين» البريطانية في شلالات بالوع بلعة حين صنّفتها ضمن أكثر الشلالات سحرًا في العالم؟ بكل بساطة رأت جمال الطبيعة، جمال المياه التي تتساقط من ارتفاع يفوق الـ 200 متر من داخل كهف كلّسي كأنها حبات لؤلؤ في طبيعة خضراء تجعل الشخص يصمت أمام رهبة المكان وجماله. ثلاثة جسور نحتتها المياه على مرّ العصور لتُخبرنا تاريخاً من آلاف السنين مطبوعاً على كل سنتمتر مربّع من هذه الجسور. وماذا نقول عن هياكل بعلبك السحرية التي فضّل ملوك الحضارات القديمة زيارتها والانحناء أمام عظمة هياكلها والاستماع إلى تاريخ الحضارات التي مرّت عليها والمحفورة على كل عمود من أعمدة القلعة.

 

هذه المشاهد الخلابة وغيرها من مئات المواقع السياحية الأثرية اللبنانية لم تستهو أكثر من 250 ألف سائح لبناني فضّلوا قضاء عطلتهم السنوية أو الأسبوعية في دولٍ مجاورة بدل البقاء في لبنان. بالطبع هذا من حقّهم فنحن نعيش في بلد يضمن الحريات، إلا أن تداعيات خياراتهم حمّلت الإقتصاد اللبناني مئات الملايين من الدولارات من الخسائر إضافة إلى ضرب المالية العامّة.

البيانات الصادرة عن المراجع السياحية الرسمية في كلٍ من تركيا وقبرص تُشير إلى أن هناك 143.560 لبنانياً زاروا تركيا في الأشهر الثلاث الأولى من العام 2019 في حين زار 18.116 لبنانياًَ الشق الأوروبي من الجزيرة القبرصية. أما من ناحية عدد اللبنانيين الذين زاروا مصر وبسبب غياب الأرقام الرسمية، فقد عمدنا إلى تقدير هذا العدد من خلال عمليات إحصائية أوصلتنا إلى الرقم 60.250 لبنانياً على نفس الفترة من العام 2019. وبالتالي بلغ مجموع السياح اللبنانيين إلى هذه الدول الثلاث 222 ألف سائح في الأشهر الثلاث الأولى من العام 2019 مقارنة بـ 523 ألفاً في العام 2018 (على كل السنة)، 397 ألفاً في العام 2017، و328 ألف سائح في العام 2016! وترتفع أعداد السيّاح اللبنانيين إلى أكثر من 250 ألف سائح لبناني (بحسب تقديراتنا) إذا ما شملّنا باقي الدول ليظهر بذلك حجم الكارثة على الاقتصاد اللبناني وماكينته الإنتاجية وعلى صعيد ميزان المدفوعات.

 

على الصعيد الاقتصادي وبعملية حسابية بسيطة، تُقدّر قيمة إنفاق السياح اللبنانيين في هذه الدول الثلاث بـ111 مليون دولار أميركي في الأشهر الستة الأولى من العام 2019. علمًا أن أشهر تموز ـ آب ـ أيلول تشهد إرتفاعًا ملحوظًا لأعداد السياح اللبنانيين إلى الخارج (إضافة إلى شهر نيسان)، أي من المُتوقّع أن يرتفع هذا العدد. بالطبع استندنا في تقديرنا إلى مُعدّل كلفة للشخص الواحد بقيمة 500 دولار أميركي (أقلّه) في السفرة الواحدة، وهنا يجدرّ الذكر أن العديد من اللبنانيين يُسافرون في نهاية الأسبوع للإستجمام في هذه الدوّل خصوصًا في تركيا نظرًا إلى رخص الأسعار هناك.

 

ولتقدير حجّم الكارثة على الاقتصاد اللبناني، وبفرضية أن الـ 250 ألف سائح لبناني قرّروا قضاء عطلتهم في لبنان وأنفقوا 500 دولار أميركي لكل سائح (أي ما يوازي 125 مليون دولار أميركي). وإذا ما أخذنا الحدّ الأدنى للأجور في القطاع الخاص (أي 675 ألف ليرة لبنانية) واعتبرنا أن 40% من حجم أعمال الشركات تذهب لليد العاملة، فهذا يعني أن الـ 125 مليون دولار أميركي كانت كفيلة بتأمين 112 ألف شهر عمل!!! أي بمعنى آخر توظيف عشرة الاف شخص لمدّة عام كامل.

 

وبما أن العديد من القطاعات تدور في فلك القطاع السياحي، من خدمات، صناعة وزراعة، لذا نُقدّر عدد الوظائف بـ 145 الف شهر عمل! هذا الوظائف حرم منها لبنان للأسف لصالح الدول المجاورة، وذلك نتيجة خيار الـ 250 ألف سائح لبناني الذين قرّروا الذهاب لقضاء عطلتهم خارج لبنان.

 

وإذا ما أخذنا القدرة الاستهلاكية لهؤلاء الذين كان من المفروض أن ينعموا بالوظائف، فإن الـ 125 مليون دولار الأساسية كانت لتفوق الـ 200 مليون دولار أميركي في الماكينة الاقتصادية وكانت لتُشكّل 0.37% نموًا في الاقتصاد اللبناني! كل هذا حُرم منه الاقتصاد بسبب خيار 250 ألف لبناني قرّروا قضاء عطلتهم في الخارج.

 

على صعيد ميزان المدّفوعات، شكّل ذهاب 250 ألف سائح لبناني إلى الخارج، حرمان لبنان من 125 مليون دولار أميركي (أقلّه) حيث تمّ تحويل المبالغ من الليرة اللبنانية إلى الدولار الأميركي وإخراج هذه الدولارات من الماكينة الاقتصادية اللبنانية. والأصعب في الأمر، أنه في الوقت الذي يسعى فيه مصرف لبنان إلى جذب عملة أجنبية إلى لبنان، يقوم السياح اللبنانيون بإخراج هذه الأموال للخارج مُعرّضين بذلك لبنان إلى مخاطر مالية، نقدية واقتصادية. فالدولة اللبنانية عندها استحقاقات بالعملة الصعبة ويتوجّب عليها دفع ثمن فيول كهرباء لبنان والمحروقات التي تستهلكها وخدمة الدين بالعملة الأجنبية. وبالتالي ومع الظروف الصعبة التي تجتاح المالية العامّة، أصبحت كلفة جلب هذه العملة الصعبة أعلى. في المقابل يقوم السياح اللبنانيون بإخراج هذه العملة الصعبة خارج لبنان. وكأن الأمر لا يكفي عند هذا الحدّ، خروج الأموال يزيد من تردّي ميزان المدفوعات الذي يُعاني عجزًا بقيمة 5 مليار دولار أميركي، وهذا العجز ستأخذه بعين الاعتبار وكالات التصنيف الائتماني عند إصدار تقييم لبنان الإئتماني. امّا نقديًا، فقد أصبح معروفًا أن احتياط مصرف لبنان من العملات الأجنبية هو الذي يحمي سعر صرف الليرة اللبنانية. وبالتالي، فإن إخراج العملة الصعبة من لبنان (الذي هو حق يضمنه الدستور) أصبح جريمة أخلاقية بحق العملة الوطنية.

 

بالطبع هذا الكلام قد لا يُعجب الكثيرين، إلا أن ما يجب معرفته، هو أن خيار الإنسان يجب أن يكون مبنياً على المعرفة، وإذا عَلِمَ اللبناني هذه الحقائق وقرّر بعد ذلك الذهاب للاستجمام في الخارج، فلا يحقّ له إلقاء اللوم إلا على نفسه.

 

} في المقابل خسائر نتيجة التخبّط السياسي }

 

في مقابل هذا الواقع الأليم، يأتي التخبّط السياسي ليضرب القطاع السياحي في لبنان في الصميم. فحادثة قبرشمون الآليمة وما تبعها من تخبّط سياسي مُستمرّ حتى الساعة عدّل مُجريات الأمور إذ كان من المُتوقّع وصول أكثر من 200 ألف سائح سعودي إلى لبنان بحسب ما صرّح السفير السعودي في لبنان، إلا أن هؤلاء عدلوا عن المجيء إلى لبنان لصالح تركيا التي تستقبّلت في الأشهر الستة الأولى من العام 2019 ما يقارب الـ 243 ألف سائح سعودي مع قدرة إنفاقية عالية جدًا وتُشكّل 16% من إجمالي إنفاق السياح في لبنان.

 

الأرقام المُتوافرة تُشير إلى أن عدد الوافدين السعوديين إلى لبنان في الأشهر الخمسة الأولى من العام 2019، بلغ 31.069 شخصاً (24 ألفاً في 2017 و17 ألفاً في 2018) أي ما يوازي 13.51% من إجمالي الوافدين من الدول العربية و4.49% من إجمالي الوافدين إلى لبنان.

 

وبفرضية أن أحداث قبرشمون لم تحصل وأن التخبّط السياسي لم يكن من أساسه وأن الـ 200 ألف سعودي جاؤوا إلى لبنان خلال الأشهر الستة الأولى من العام 2019، لكنّا شهدنا إرتفاعًا في مداخيل السياحة إلى أكثر من 10 مليار دولار أميركي هذا العام! وإذا ما أخذنا نظرية التفاعل في الاقتصاد، فإن تداعيات توافد السياح كان ليؤمّن نموًا اقتصاديًا يزيد عن 1.2% إضافة إلى مليارات من الدوّلارات من العملات الصعبة التي كانت لتأتي في وقت أكثر ما يحتاج لبنان إليها. في الواقع، كان عدد السياح المتوقّع مجيئهم إلى لبنان يفوق المليون وثمانية مئة ألف شخص، قسم كبير منهم كان سيتوافد من الدول العربية، إلا أن التخبّط السياسي لم يسمح بأكثر من 1.2 مليون على الأشهر السبعة الأولى من العام 2019 ولا نعلم بأية مُعجزة يُمكن أن يصل العدد إلى أكثر من 1.8 مليون شخص. كل هذا خسره الإقتصاد اللبناني بسبب المناكفات السياسية والخلافات الطاحنة التي تمنع السياح من المجيء إلى لبنان! وبالتالي تتحمّل السلطة السياسية المسؤولية الكاملة عن تردّي الوضع الاقتصادي والمالي للدولة اللبنانية.

 

} نقص في الإجراءات لجذب السياح }

 

المشاكل التي تواجه السياحة في لبنان يتصدّرها التخبّط السياسي كما سبق الذكر، إلا أن هناك مشاكل أخرى تعترض هذا القطاع ومن بينها التلوّث البيئي القاتل (انظر إلى الديار العدد 10869 تاريخ 3 آب 2019) الذي يلعب دورًا سلبيًا جدًا مع استقبال السياح في المطار بروائح كريهة تصل إلى داخل الطائرة. أيضًا لا تُساعد العوامل الأخرى مثل زحمة السير وفي بعض الأحيان ارتفاع الأسعار في جذب السياح. ويبقى أن سعر تذكرة الطائرة الآتية إلى لبنان هو سعر مُرتفع نسبة إلى باقي الدول المجاورة، ويعود السبب بالدرجة الأولى إلى أسعار التأمين على الطيارات الآتية إلى لبنان والتي تزيد ثمن التذكرة إلى الضعف. ولم تقم السلطات اللبنانية بأي اتصالات مع شركات التأمين لمحاولة خفض هذه الكلفة، ويكفي مقارنة سعر التذكرة بين أي دولة في العالم وبيروت من جهة وبين هذه الدولة وتل آبيب لمعرفة أن هناك عاملاً سياسياً يتوجّب ردّاً سياسياً ومفاوضات مع شركات التأمين لإيجاد حلّ له.