IMLebanon

وثيقة مار مخايل… أخطر من اتفاق القاهرة  

 

 

إذا كان البيان المشترك السعودي – الفرنسي الذي صدر عن اللقاء الذي عقد في جدّة بين الرئيس ايمانويل ماكرون ووليّ العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان كشف شيئاً، فهو كشف العجز اللبناني. لبنان في عالم آخر لا علاقة له بنظرة العالم إليه، بما في ذلك نظرة دول الخليج العربي. لبنان أسير النظرة الإيرانيّة إلى العالم. الدليل على ذلك أنّ البيان السعودي – الفرنسي طالبه بالسيطرة على حدوده وأعاد التذكير بقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الرقم 1559 و1680 و1701.

 

ليس في استطاعة لبنان في وضعه الراهن تنفيذ هذه القرارات ولا يستطيع خصوصاً تنفيذ ما طالب به البيان بالنسبة إلى أن يكون السلاح حكراً على الشرعيّة اللبنانية.

 

عاش لبنان حتى اغتيال رفيق الحريري على وقع نتائج جريمة ارتكبت في حقّه اسمها اتفاق القاهرة. بعد 2005  وانسحاب الجيش السوري من لبنان وحلول الوصاية الإيرانية، أو الاحتلال الإيراني، مكانه، يعيش لبنان في ظلّ جريمة أكبر من جريمة اتفاق القاهرة وأخطر منها. إنّها جريمة وثيقة مار مخايل الموقّعة في السادس من شباط 2006  بين حسن نصرالله وميشال عون. لماذا جريمة وثيقة مار مخايل أكبر من جريمة اتفاق القاهرة التي شرّعت الوجود الفلسطيني المسلّح في لبنان، وكان معناها الحقيقي تخلّي لبنان عن السيادة على جزء من أراضيه؟

 

الجواب بكل بساطة إن وثيقة مار مخايل جعلت لبنان يتخلّى عن السيادة على كلّ أراضيه لسلاح «حزب الله» بغطاء مسيحي. وفّر ميشال عون مثل هذا الغطاء في مقابل أن يصبح رئيساً للجمهوريّة.

 

ليس صحيحاً كلام ميشال عون عن أنّ «حزب الله»، لم يرتكب أيّ خطأ في حق لبنان، كما ورد على لسانه في حديث مع فضائية «الجزيرة» خلال زيارته الأخيرة للدوحة. هذا الكلام ليس صحيحاً، علماً أنّه لا مفرّ من التذكير في الوقت ذاته بأنّ من ارتكب كلّ الأخطاء هو من تولّى تغطية سلاح الحزب، الذي ليس سوى لواء في «الحرس الثوري» الإيراني وارتكاباته. لم يحترم «حزب الله» القرار 1701  في يوم من الأيّام. خرقه لبنانياً كما خرقه بعدم احترامه الحدود اللبنانيّة.

 

ليس العالم بالغباء الذي يعتقده ميشال عون وصهره جبران باسيل. ليس العرب، خصوصاً عرب الخليج، من يجهل ما يدور على أرض لبنان وتحوله مصدر تهريب للمخدرات وغير المخدّرات بهدف تخريب المجتمعات الخليجية. ما يعنيه البيان السعودي – الفرنسي أنّ طريق الخلاص أمام لبنان موجود. موجودة أيضاً الأسباب التي تحول دون سيره في هذا الطريق الذي يعني أوّل ما يعنيه عودة لبنان إلى وضع طبيعي بدءاً بالتخلّص من سلاح «حزب الله» وهيمنته على البلد لمصلحة إيران.

 

ليس مطلوباً من ميشال عون وجبران باسيل سوى الاعتراف بأنّ مصلحة لبنان لا علاقة لها بمصلحة إيران وأنّ ليس طبيعياً أن يلعب أي لبناني مسيحي أو غير مسيحي دوراً في تغطية سلاح ميليشيوي مذهبي في خدمة طرف خارجي. لا يستطيع الثنائي الرئاسي الإقدام على مراجعة من أيّ نوع للعلاقة مع «حزب الله». لم يفهما عون وباسيل، منذ البداية، معنى توقيع وثيقة مار مخايل، وأن الدخول في حلف مع إيران ليس مثل الخروج منه، خصوصاً في ضوء ما ارتكبته  إيران في لبنان قبل اغتيال رفيق الحريري وبعده من جهة، ومدى رغبتها في تحويل بيروت إلى مجرّد مدينة إيرانيّة على البحر المتوسّط.

 

مرّة أخرى، يبدو حجم الأضرار التي خلفتها وثيقة مار مخايل على لبنان أكثر ضخامة من تلك التي خلفها اتفاق القاهرة. لا يمكن تجاهل دور الزعماء المسلمين، خصوصاً السنّة، في الوصول إلى اتفاق القاهرة. لكنّ السؤال الذي يطرح نفسه باستمرار كيف يمكن لسياسيين مارونيين مثل كميل شمعون وبيار الجميّل تغطية مثل هذا الاتفاق؟

 

تجعل رئاسة الجمهوريّة السياسيين الموارنة يصابون بالعمى. أصيب ميشال عون بالعمى السياسي فذهب إلى توقيع وثيقة مار مخايل التي أوصلته إلى قصر بعبدا. لم يعِ إلى اليوم مدى الضرر الذي ألحقه بلبنان واللبنانيين ومؤسسات الدولة، أو ما بقي منها، وبالقطاعات التي قام عليها لبنان، من المدرسة إلى الجامعة، إلى المستشفى، إلى السياحة، إلى الخدمات بكلّ أنواعها، إلى الإعلام… إلى القطاع المصرفي. لم يستوعب بعد معنى العزلة العربيّة للبنان وتحوّله إلى جرم يدور في الفلك الإيراني.

 

لا يستطيع لبنان، في ظلّ وضعه الراهن، تنفيذ كلمة وردت في البيان السعودي – الفرنسي بعدما وضعت إيران يدها على البلد، بما في ذلك على رئاسة الجمهوريّة. ما بات مطروحاً منذ توقيع وثيقة ما مخايل مصير لبنان كدولة من دول المنطقة. صار البلد من دون مرجعيّة، باستثناء مرجعيّة «حزب الله»، بعد فقدانه كلّ مقومات وجوده في المئة سنة وسنة واحدة التي تفصل عن إعلان قيام لبنان الكبير في العام 1920.

 

يؤكّد هذا الواقع الهوة الشاسعة التي تفصل بين الواقع اللبناني البائس من جهة وما تضمنّه البيان السعودي – الفرنسي من جهة أخرى. هناك هوة يصعب ردمها. أخطر ما في الأمر أن ليس هناك من يريد ردم هذه الهوّة، لا عربيّاً ولا عالمياً. صار لبنان متروكاً لمصيره البائس بعدما تبيّن أن خطر وثيقة مار مخايل كان أكبر بكثير من خطر اتفاق القاهرة. ألغى مجلس النوّاب اتفاق القاهرة في عهد الرئيس أمين الجميل. ليس ما يشير في الوقت الراهن إلى ما يمكن إلغاء مفاعيل وثيقة مار مخايل التي يبدو أنّها ألغت لبنان الذي عرفناه من دون إيجاد بديل منه باستثناء تحولّه مجرّد «ساحة إيرانيّة»