IMLebanon

لا جدوى لمشهدية 14 آذار حتى إشعار آخر

 

عشرون عاماً مرّت بعد مشهدية 14 آذار. ثقيل تعاقب أحداثها على كاهل من عايشها، وعايش قبلها الحرب الأهلية ومن ثم الاحتلالات الإسرائيلية والأسدية والإيرانية ومسلسل الاغتيالات والفتن المتنقلة.

 

 

 

عشرون عاماً والخطوات إلى الأمام فيها نادرة وضئيلة قياساً بالتراجع والنكسات والنكبات والكوارث وصولاً إلى انهيار مكوّنات الوطن.

 

 

 

وأصعب ما في الأعوام الثقيلة يبقى ما ساد من فصل عنصري حادّ بين الجماعات الطائفية اللبنانية.

 

 

 

لا لزوم لتجميل الواقع. فما نعيشه في لبنان هو فصل عنصري حادّ، وأي جدال بين الطائفيين الغرائزيين يظهر هذه العنصرية المقرونة بانعزال كلّ جماعة عن الأخرى، حتى لو جمعتهما رقعة جغرافية واحدة، حينها تصبح الباطنية هي السائدة… ولكن إلى حين.. لتندلع نارها وتشحذ سكاكينها وتمعن نهشاً في جسد الوطن…

 

 

 

والمفارقة أن هذه العنصرية تملك أدواتها للتعايش الكاذب والمزيّف بحكم مرونة غالبية الجماعات ومهارتها لإخفاء حقيقة ما تضمر كلّ منها تجاه الأخرى لدى الاضطرار إلى التعايش معها.

 

 

 

وهذا الفصل العنصري الكامن في النفوس هو عدة الشغل التي يستثمر فيها سماسرة السلطة والنفوذ والمشاريع التي تلبّي المكاسب الخاصة والأيديولوجيات القائمة على تشويه جوهر الأديان وتزييفه، والارتهان لمن يفتح طريق هؤلاء السماسرة على حساب المواطنة.

 

 

 

وخير مؤشر على الاستثمار يكمن في رصد ردود فعل السماسرة وجماهيرهم على ما حصل في الساحل السوري.

 

 

 

فهذه الردود في لغتها المدعية الطوباوية والطهارة لدى استنكارها المجازر، وغيرتها على المعايير والقيم الإنسانية، تثير الغثيان، ذلك أن أصحابها مبرمجون وفق معادلة “ذاكرة الظالم الضعيفة” مقارنة بذاكرة المظلومين في البلدين الجارين على امتداد سنوات النظام الأسدي من الأب إلى الابن.

 

 

 

فالظالمون، ومعهم كل من أشاد أو شارك أو صمت لدى ارتكاب بشار جرائمه لقمع الثورة، لا يحق لهم الاعتراض أو استنكار الجرائم والمجازر التي أباحت سفك دماء الأبرياء في الساحل السوري. يملك هذا الحق من لم يحِد عن الحق منذ ما قبل مجزرة أطفال درعا التي شكّلت شرارة الثورة.

 

 

 

من رفض هتاف “حرية سيادة استقلال” ومعه “سوريا بره بره” وحاربه، مغرضة نواياه عندما يستنكر إراقة دم غير الدم الذي عمل ولا يزال يعمل على إراقته.

 

 

 

لكنها العنصرية التي لم يتمكن حدث بحجم مشهدية 14 آذار أن يشفي منها اللبنانيين المصرّين على التصاقهم بالطائفة وزعيمها.

 

 

 

وقد يقول قائل إن غياب الدولة هو سبب لجوء اللبنانيين إلى انعزالية الطوائف وباطنيتها. لكن مثل هذه المقولة لا تصحّ إلّا كمبرر لا يستوي ميزانه.

 

 

 

فغياب الدولة يجب أن يشكل حافزاً على العمل لاسترجاعها وضعف مؤسساتها يستوجب العمل لتقويتها وليس لنهبها ومن ثم إلغاء مقوماتها وركائزها، أو المطالبة بالفدرالية لتوطيد أسس الفصل العنصري.

 

 

 

أيضاً الاحتلال الإسرائيلي لأرض لبنانية يجب أن يستنفر اللبنانيين وأهل الجنوب تحديداً، على اختراع دولة لتحميهم وتحررهم، وليس الانتشاء بجماعة دينية تحتكر مقاومة لولاء لولي فقيه لم يجْدهم نفعاً.

 

 

 

قد تنتهي مأساة سوريا وتأثيرها علينا بشكل أو بآخر، وقد تنسحب إسرائيل لسبب أو لآخر… لكن لن تقوم قيامة للبنان ولن يستعيد اللبنانيون مشهدية واعدة قائمة على التوحد حول الحرية والسيادة والاستقلال ما دامت جدران الفصل العنصري بين الطوائف هي الباب للفساد والنفوذ والاستقواء على الشركاء في مواطنة مفقودة حتى إشعار آخر…