الروزنامة اللبنانية حبلى بالتواريخ الجميلة والمجيدة، ونادراً ما يمر يوم من أيام السنة من دون أن نحتفل بعيد ديني، أو بيوم عالمي أو نتذكر مناسبة أو نقيم مجلس عزاء.
8 آذار يوم نموذجي يحرّك الشجون واللواعج. ففي مثل هذا اليوم قبل 20 عاماً احتشد عشرات الآلاف في ساحة رياض الصلح لشكر سورية الأسد على ما قدمته للبنان من تضحيات وللتمني على الدكتور بشار التراجع عن قراره بسحب جيشه من لبنان (5 آذار) وكيف العيش من دون أحذية المخابرات؟ ومن المفارقات أن الأسد اتخذ قرار الانسحاب إنفاذاً للقرار الدولي 1559 الذي هشّمه الخطباء.
8 آذار قابله يوم 14 آذار ولقاءات البريستول قوبلت بلقاءات عين التينة التي ضمت 36 فصيلاً وحزباً بينها “التيار الوطني الحر” الذي التحق بركب 8 آذار متأخراً. في ذاك اليوم (8 آذار) شاركت مروحة واسعة من الأحزاب عبر ملهميها وممثليها، من رابطة الشغيلة إلى “حزب الله” وما بينهما. وقد تكون من المرّات النادرة التي يشارك فيها سماحة السيد في الصعود إلى منبر الخطابة متكلّمون أفذاذ أذكر منهم رشاد سلامة وزاهر الخطيب وعطوفة المير طلال والدكتور أيوب حميد ومسعود الحجيري.
يوم جميل في تاريخ لبنان الحديث لا يقل بهاء عن يوم المرأة العالمي الذي نحتفل به اليوم. أما ذكرى ثورة 8 آذار (1963) فمن أغلى المناسبات الوطنية والقومية على قلوب الزحفطونيين اللبنانيين، مسلمين ومسيحيين وملاحدة، ولو عرفوا مكان إقامة سيادة الرئيس في موسكو لأبرقوا إليه اليوم بالذات مهنئين. وما علق في ذاكرتي من مشهديات الاحتفالات النائب فوزي حبيش يدبك أمام رجال المخابرات السورية العاملة في عكار تعبيراً عن الفرح بهذا اليوم السعيد، وفي كل 8 آذار كانت الوفود تؤم مقر العميد معن ظاظا ومقر العقيد الركن محمد مفلح ومقر حاكمية لبنان في عنجر لتقديم الواجب.
وفي 8 آذار 1997 بالتحديد أقام حزب البعث فرع المتن وكسروان وجبيل مهرجاناً في سينما “سانت إيلي” في أنطلياس كان أبرز المتكلمين فيه “دولة الرئيس” ميشال المر وتولى شرح معاني ثورة 8 آذار الداخلية والإقليمية والدولية واللبنانية. فاتني “شرح” المر لكن ما أعرفه يمكن إيجازه بـ “أن يوم 8 آذار 1963 شكل نهاية الحقبة الشرعية الدستورية والقانونية بإسقاط الرئيس ناظم القدسي والحكومة الشرعية المنتخبة برئاسة خالد العظم، وإلغاء الحالة الدستورية والقانونية وبداية الحقبة السوداء بالحياة السياسية العامة في سورية”.
وما قرأته أن في السنة التالية للثورة صدر قانون حضاري نص على “تجريم ومعاقبة كل من يناهض أهداف ثورة الثامن من آذار ويقاوم النظام الاشتراكي بالقول أو الكتابة أو الفعل أو بأي وسيلة بالسجن المؤبد وقد تصل العقوبة إلى الإعدام…”.
وفي العام 1969 تم منح “حصانة لرجال المخابرات تحميهم من تبعات أي جرم يرتكبونه” ومن هنا نفهم أن كل المجازر التي حصلت في عهد الأسدين لم تخرق القوانين المرعية الإجراء.
وبعيداً من لبنان وسورية، في 8 آذار 1894 أصدرت نيويورك قانوناً ألزمت فيه الكلاب بحمل قلادات تعرّف بهويتها لتكون أول مدينة أميركية تصدر مثل هذا القانون.