IMLebanon

هل سيفقد لبنان أيضاً مساحة 750 كلم2 من منطقته البحرية الشمالية المتداخلة مع سوريا بسبب تلكؤ المسؤولين؟!

 

المطلوب حكومة موحّدة قويّة تذهب الى التفاوض على ترسيم الحدود البحرية لضمان حقّ لبنان في ثروته النفطية

 

لم يتخذ لبنان بعد أي قرار يتعلّق بتعديل المرسوم 6433 المودع لدى الأمم المتحدة حول إحداثيات الحدود البحرية في المنطقة الجنوبية أو لإلغائه، لحفظ حقّه في مساحة الـ 2290 كلم 2 المتداخلة مع الأراضي الفلسطينية المحتلّة، حتى نشأت مشكلة أخرى، قديمة جديدة، عند حدوده الشمالية مع سوريا. هذه المشكلة سببها الرئيس عدم حصول التفاوض بين البلدين على ترسيم الحدود، على مدى السنوات الماضية، وذهاب كلّ منهما الى ترسيم من جانب واحد، الأمر الذي قد يُخسّر لبنان مساحة 750 كلم2 من ثروته الغازية والنفطية في البلوكين 1 و2 إذا ما بدأت عمليات التنقيب في البلوك 1 من قبل الشركة الروسية «كابيتل»، تُضاف الى المساحة الجنوبية التي قد يفقدها أيضاً إذا ما بدأ العدو الإسرائيلي بعمليات الحفر في حقل «كاريش» الذي يدخل نصفه تقريباً في المنطقة المتنازع عليها. فهل سيُقدم لبنان على ترسيم حدوده مع سوريا قبل أن يبدأ العمل في منطقة النزاع الشمالية، وما هي المعوقات التي حالت دون ذلك حتى الآن؟!

 

أوساط ديبلوماسية مطّلعة أكّدت أنّ ترسيم الحدود البحرية مع سوريا يحتاج إلى توافق بين سوريا ولبنان وتنسيق في رسم الإحدثيات، لا أن تقوم السلطات اللبنانية من طرف واحد بإعلان إحداثياتها وإبلاغ الأمم المتحدة بذلك، معتبرة بشكل آحادي أنّ هذه الإحداثيات قد رُسمت وفقاً للقانون الدولي، وأنّها مُلزمة لكلّ من سوريا وقبرص ولا بديل عنها. فهذا الأمر يُظهر الخفة التي يُقارب بها المسؤولون اللبنانيون ترسيم الحدود البحرية واستطراداً البريّة، والإتكال الأعمى على الشركات الإستشارية الأجنبية، وغياب التعاون العميق والمفتوح بين مختلف مكوّنات الدولة اللبنانية في تجلّياتها المؤسساتية وفي حصرياتها المذهبية.

 

وأوضحت الاوساط، بأنّ ترسيم الحدود البريّة بالتالي مع سوريا أصعب من الترسيم مع حدود فلسطين المحتلّة، إذ لا توجد إتفاقيات دولية، إنّما خرائط فرنسية قديمة تعود الى فترة الإنتداب. غير أنّه حصلت بعض التعديلات عليها ما جعل الخرائط السورية واللبنانية المتوارثة عنها تختلف عن بعضها البعض. وقد حاولت السلطتان السورية واللبنانية خلال العقود الماضية حلّ مشكلة التداخل الحدودي بين البلدين ولكنها لم تفلح. وكان الفرنسيون قد وضعوا علامات فارقة لبعض النقاط الإحداثيات (مماثلة للعلامات مع فلسطين)… ولكنها أزيلت واضمحلت ولا يمكن إعادتها بشكل دقيق حتى لو تمّ الإستعانة بالخرائط أو الإتكال على الذاكرة الجماعية لساكني القرى الحدودية لكلا الطرفين خصوصاً لوجود خلافات على الترسيم بين القرى. ولهذا، تضيف الاوساط الديبلوماسية، إن ترسيم الحدود كما تُطالب به قرارات الأمم المتحدة بعد العام 2005 هي عملية معقّدة وشائكة… عدا عن أنّها مكلفة مادياً. وحتى لو تمّ الترسيم، فكيف سيكون باستطاعة السلطات المعنية إقفال المعابر غير الشرعية على امتداد الحدود الطويلة؟ إنّ كاميرات السلطات البريطانية لا تكفي لضبط عملية التهريب التي تحتاج فضلاً عنها الى معدات وتجهيزات وعناصر ذات جهوزية للتدخّل السريع، وكلّ ذلك غير متوافر حالياً، ومكلف. وللأسف الشديد، فإنّ المسؤولين اللبنانيين ينظرون دائماً إلى الأمور من وجهة النظر المادية، على حد قول الاوساط، وكيفية إمكانية تحقيق الأرباح المالية وجلب الإستثمارات والمساعدات… وليس من ناحية الضرورات الوطنية التي يجب أن تتوفّر لها الأرصدة المطلوبة من دون استجداء.

 

ولهذا رأت الأوساط نفسها أنّه من الضروري الفصل بين الترسيم البحري والبرّي مع سوريا، كون الإتفاق على الترسيم البحري معها أسهل… مع العلم بأنّ سوريا ستُماطل وتُطالب بتنازلات سياسية من قبل الجانب اللبناني الذي مهما قدّم من تنازلات لها فلن ترضى بها وستظلّ الأمور عالقة بين البلدين… إلاّ في حال حصول وساطة من قبل الروس والفرنسيين ونجحوا في إقناع الجانب السوري بضرورة الترسيم. كذلك لا بدّ من حلّ ملف الحدود بشكل ثنائي مع سوريا، كما مع قبرص سيما وأنّ بعض نقاط الإحداثيات هي ثلاثية. علماً بأنّ المنطقة الإقتصادية الخالصة للبنان متداخلة شمالاً مع سوريا وغرباً مع قبرص وجنوباً مع الأراضي الفلسطينية المحتلّة من قبل العدو الإسرائيلي. ووفقاً لقواعد القانون الدولي، فإنّ الحدود بين الدول ترسمها الدول نفسها، وإن تمّت الموافقة على الترسيم أُبرمت، وإن لم توافق يذهب الملف الى القضاء والتحكيم.

 

وإذ يقول العارفون بأنّ المشكلة بدأت في العام 2011 عندما أرسل لبنان المرسوم 6433 الى الأمم المتحدة، الذي وضع فيه إحداثيات حدوده البحرية الشمالية والغربية والجنوبية من جانب آحادي، وأرسل منه نسخة الى سوريا. وعندما وجدت أنّه لم يؤخذ برأيها في مسألة الترسيم اعترضت لدى الأمم المتحدة على المبدأ وليس على المساحة. وكما فعل لبنان فعلت سوريا، فرسّمت حدودها من جانب واحد وأرسلت الإحداثيات للأمم المتحدة وبلّغتها اعتراضها على الحدود التي رسمها لبنان. ما جعل الخلاف ينشأ بين البلدين، ولم يذهبا الى طاولة المفاوضات لحلّه رغم بعض المطالبات بضرورة التفاوض حول ترسيم الحدود البحريّة لكي يحفظ لبنان حقّه في البلوكات التي رسمها في المنطقة البحرية الشمالية. وتؤكّد الأوساط الديبلوماسية أنّ بين لبنان وسوريا اليوم اعتراضات على الإحداثيات بموجب الخرائط المقدّمة من كلّ من البلدين، لا سيما بعد أن فتح لبنان دورة التراخيص الأولى التي تشمل البلوك 1 في العام 2013. وقد اعترضت سوريا لدى الأمم المتحدة لأنّ الترسيم حصل من جانب واحد، ما جعلها تُرسل إحداثياتها الى الأمم المتحدة المرسّمة أيضاً من جانبها.. ولكن في حال حصول تعدٍّ على الأرض أو انتهاك للمياه الإقليمية أو الإقتصادية الخالصة فتتحوّل الإعتراضات عندها الى شكوى وعندئذٍ تنظر الأمم المتحدة في مضمون هذه الشكوى وأحقيتها.

 

وإذ قامت سوريا في العام 2013 بتلزيم الشركة الروسية «كابيتل» بالتنقيب عن النفط والغاز في المنطقة المتداخلة بين لبنان وسوريا والتي تطال البلوكين 1 و2 في المساحة الشمالية للمنطقة الإقتصادية الخالصة، يخشى الخبراء اليوم أن تبدأ هذه الشركة عملها قريباً، وإن كان العقد ينصّ على أنّها أعطيت أربع سنوات كمهلة قصوى للإستطلاع، إذ يُمكن أن تُنهيه في غضون أشهر. فإذا تبيّن لها أنّ ثمّة نفط في البلوك 1 (التابع للبنان بحسب إحداثيّاته الآحادية الجانب) يحقّ لها أن تبدأ بالتنقيب. لهذا لا بدّ من أن يتخذ لبنان قرار التفاوض مع سوريا، أو مع روسيا في أسرع وقت ممكن، بدلاً من التلكؤ بحجّة أنّه لا يزال أمامنا المزيد من الوقت للتصرّف، وذلك لمنع حدوث مثل هذا الأمر وخسارة لبنان حقّه في نفطه في البلوك المذكور. علماً بأنّ المساحة المتداخلة بين البلدين تبلغ مساحتها 750 كلم2، وأنّ اتفاقية التلزيم بين سوريا والشركة الروسية حفظت فيها سوريا حقّها من خلال إدراجها في المادة 13 منها بنداً يتعلّق بإعفاء الشركة من المسؤولية في حال قامت هي بتعديل حدودها. ما يعني أنّ الحدود التي لُزّمت لشركة «كابيتل» لم تُصبح حقّاً نهائياً لها بل تبقى قابلة للمراجعة، لا سيما مع وجود نزاع حدودي بين سوريا ولبنان قد يفضي الى التراجع أو التقدّم في الحدود البحرية في حال حصول المفاوضات.

 

وعمّا إذا كان اعتماد لبنان مبدأ النأي بالنفس هو الذي جعل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي تتقاعس عن إجراء التفاوض مع سوريا من أجل ترسيم الحدود الشمالية معها في عهد الرئيس ميشال سليمان في العام 2010 عندما طلبت ذلك، فتُجيب الأوساط نفسها بأنّها ذريعة. فمبدأ النأي بالنفس لم يُحترم من قبل بعض الجهات في الداخل، كما أنّ بعض الوزراء كانوا ولا زالوا يزورون سوريا بين الحين والآخر، والبعض الآخر يتجنّب زيارتها. وكان هناك من يقول كيف نتفاوض مع سوريا، وهي خارج الجامعة العربية والخليج يقاطعها (علماً أنّ بعض الدول الخليجية قد استعادت علاقتها الطبيعية مع سوريا اليوم) والحرب الأهلية مدوّلة؟! من هنا، فإنّ قضية ترسيم الحدود البحريّة مع سوريا (ومع العدو الإسرائيلي أيضاً) شديدة التعقيد وشائكة ولا يمكن حلّها بهذه السهولة، لا سيما في ظلّ غياب الحكومة الواحدة الموحّدة القوية بدلاً من العراضات المتناحرة للأحزاب اللبنانية بمختلف تجلّياتها الطائفية والمذهبية التي نشهدها منذ عقود.