IMLebanon

عن طفولة داسها الاحتلال… وأحيتها المقاومة

 

 

كان يوسف، الذي لم يبلغ العاشرة من عمره، يخرج من منزله في شقرا كل يوم، يعبر الشارع العام باتجاه دكان والده، يسلّم على أبناء الحي ويمازحهم. لكن رصاصة قنص انطلقت ذات يوم من موقع حولا الإسرائيلي وأصابته في صدره الطري… يومها، شاهده الجيران يتجه نحو والده وابن عمه، وهو يصرخ. كان ينزف دماً، ووافته المنية في أحضان والده، الذي سبق له أن ودّع شقيقه الشهيد، رجل الدين السيد عبد اللطيف الأمين، بعدما عمد عملاء العدو إلى اغتياله أمام باب منزله، وقرب أطفاله، كونه كان يدعو إلى قتال الصهاينة ورفض الاحتلال.

 

مشاهد قتل المواطنين العزّل وإذلالهم، التي لم ترو على ألسنة المنادين بسحب السلاح، لا تلخصها رواية واحدة. لكلّ جنوبي قصته مع الاحتلال ومنهم محمد، الذي كان في السادسة من عمره عندما شاهد، خلال الاجتياح الإسرائيلي في العام 1982، الطائرات الحربية والمروحية وهي تنتهك جدار الأمان الذي كان يشعر به عندما كان يلعب في زقاق حيّه السكني، على بعد مئات الأمتار من الحدود مع فلسطين. أوراق سمراء كانت تسقطها هذه الطائرات قرب المنازل، التقط واحدة منها، فقرأ تهديداً موقعاً من “أوري لوبراني”، وزير الدفاع الإسرائيلي، مع لزوم رفع الرايات البيضاء على أسطح المنازل. يقول محمد “شعرت بأن كل شيء تغيرّ، هناك من داس على طفولتي. لقد شاهدت عدداً من رجال البلدة يحرقون الصحف والمجلات التي كتب فيها ما يحرّض على الاحتلال ويطالب بالحرية وتحرير فلسطين”.

 

 

غيّرت حرب عناقيد الغضب 1996 معادلة قتل المدنيين من دون حساب

 

 

كان الإحساس بالهزيمة والاستسلام يظهر من خلال تصرفات الأهالي، “أما نحن الأطفال، فقد جعلتنا تصرفاتهم نشعر بالقهر خصوصاً عندما شاهدنا بعد أيام دبابات العدو وجنوده تعبر بهدوء من أمام منازلنا. هدوء، برزت وحشيته، في ليال كثيرة، عندما كان جنود العدو يتسللون في ساعات الليل لتفخيخ منازل الوطنيين وتفجيرها ونحن نيام، فنسمع أصوات الانفجارات، وبعدها أصوات حجارة البيوت وهي تسقط على أسطح منازلنا”. سنوات مرّت على استمرار العدو في قصف منازل الآمنين، إلى أن شنّت إسرائيل حرب “عناقيد الغضب” في نيسان 1996 وتغيّرت المعادلة “لقد شعر أبناء القرى المحاذية للحزام الأمني السابق، بأن العدو لم يعد قادراً على قصف منازلهم، بعدما كرّست الحرب معادلة قصف المستعمرات مقابل أي اعتداء عليهم”. تغيّر المشهد كلياً، يقول محمد “لم يعد في استطاعة العدو، الدخول خلسة أو علناً إلى قرانا، ولم يعد في استطاعته قصف منازلنا، ولم نعد نرى جنوده يعبرون الطرقات، ويعتلون الأسطح، لقد عادت إلينا كرامتنا، وأثبت السلاح الموجود في أيادي أصحاب الأمانة أنه لا بديل عنه في مواجهة المحتل”.

 

حلّ “التحرير” ليكون “ثمرة اثنين وعشرين عاماً من الصمود والقتال، وفي كل مرة يحاول العدو تغيير المعادلة، يتأكد أن لا سياج للأرض والكرامة غير السلاح”.