IMLebanon

لقاء روما | زوبعة في فنجان!

الراعي والحريري لا يملكان وحدهما مفتاح الانتخابات الرئاسية

بعد جمودلأسابيع، يبدو كأن الحياة قد دبّت في ملف الرئاسة الأولى في ضوء الحديث عن طرح أسماء مرشحين توافقيين، لكن، في المقابل، ثمة اعتقاد لدى اوساط سياسية بأن الايحاءات الاخيرة غير واقعية ومبالغ فيها

الاجواء الايجابية التي سادت أمس، تزامناً مع لقاء البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي والرئيس سعد الحريري، حول تحريك ملف انتخاب الرئاسة الأولى، بدت في غير محلها تماماً، استناداً الى أوساط سياسية. فالدفع مجدداً الى انتخاب رئيس للجمهورية، ظهر فجأة، من دون ان يكون مبنياً على أسس ثابتة او على مفاوضات شاملة مع كافة الافرقاء المعنيين، لا بل ان احداً من هؤلاء لم يثر موضوع الرئاسة على نحو جدي منذ اسابيع، في ظل الانشغال بترتيب التمديد النيابي وتشريع الضرورة.

وبحسب هذه الاوساط، فان التأويلات التي اعطيت للقاء روما، لا تتناسب مع المعطيات المحلية او حتى الاقليمية التي تميل حالياً الى استبعاد اجراء انتخابات رئاسية في المدى المنظور.

وتعدّد هذه الاوساط المعطيات الآتية:

أولاً، أن تنشيط ملف الانتخابات الرئاسية بعد جمود اسابيع طويلة، لا يقتصر على جهة سياسية واحدة. والاجواء التي اشيعت بدت من جانب قوى 14 آذار وحدها من دون ان يكون لدى 8 آذار المعطيات نفسها، لا بل ان 8 آذار استغربت مجرد الايحاء بأن تفاهمات يمكن ان تحصل في الايام المقبلة، لأن الطروحات التي تتداولها 14 آذار لا تزال هي نفسها بالنسبة الى اسماء المرشحين التوافقيين، ما يعني ان لا تطورات مختلفة عن التي سبق أن قيلت، عن طبيعة الاسماء المقترحة، كي تندفع قوى 8 آذار لقبول هذه الاسماء والتخلي عن مرشحها.

ثانياً، ان الجميع مشغول محليا باخراج «تمديد الضرورة»، خشية ان يلحق الفراغ المجلس النيابي. وحركة الحريري في اتجاه الراعي كانت، حصراً، من اجل الحصول على تغطية مسيحية للسير في التمديد لمجلس النواب، اكثر مما هي لتفعيل الانتخابات الرئاسية التي استعملت غطاءً سياسيا لعدم اجراء انتخابات نيابية لا اكثر. والحريري يريد الحصول على غطاء من بكركي، وخصوصاً في ظل التعارض بينه وبين حلفائه في قوى 14 آذار حول التمديد كمبدأ وكمهلة ايضاً.

طروحات 14 آذار

لم تتغيّر كي تقبل قوى 8 آذار التخلي

عن مرشحها

اما بالنسبة الى انتخابات الرئاسة، فان قرار اجرائها لا يتخذ بين الراعي والحريري، ولا يملك الاثنان مفاتيحها، والا لكانت الانتخابات قد جرت منذ اشهر. وللتذكير، فان الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير، وعلى عظمة دوره الذي فاق دور الراعي، لم يستطع اقناع المسيحيين ولا الدول المعنية بانتخاب رئيس للجمهورية حين شغر كرسي الرئاسة الاولى مرتين. فالرئاسة اللبنانية ملف اقليمي، وحتى الآن لم تبدر اشارات واضحة من الدول صاحبة القرار، بأن الانتخابات الرئاسية ممكنة في وقت قريب.

ثالثاً، ان القوى الاقليمية، تحديداً، مشغولة حالياً بالتطورات العسكرية في سوريا والعراق. والمستجدات التي عادت تشعل بغداد، فيما كانت الانظار موجهة نحو الضربات الجوية المعدودة على مناطق «الدولة الاسلامية» في سوريا، تنذر بأن ساحة الحرب المفتوحة اقليمياً مقبلة على معالجات ملفات حساسة ودقيقة، ولا يبدو لبنان في اولوياتها. فانتخابات الرئاسة لم تظهر انها متقدمة حين التقى وزيرا الخارجية السعودي سعود الفيصل والايراني محمد جواد ظريف في نيويورك. والسجال الاخير بين الفيصل ونائب وزير الخارجية حسين امير عبد اللهيان يظهر ان الخلاف حول الملفات الاساسية، وفي مقدمها، سوريا لا يزال متأججاً. فكيف يمكن ان تُجرى الانتخابات الرئاسية في لبنان وسط هذه المؤشرات، وفي ظل الضبابية التي تظلّل المشهد الاقليمي العام.

رابعاً، ان قوى 14 آذار تغامر بالذهاب مبكراً في استنتاجات وخلاصات حول التطورات الاقليمية المستجدة، كي ترى انها اليوم قادرة على فرض تسوية توافقية شبيهة بما حصل عام 2007 بالاتيان بالرئيس ميشال سليمان، كما عبّر الحريري بنفسه في روما. والمشكلة ان المستقبل ربما يكون يبالغ في تقدير ما يحصل اقليمياً، ليرى ان حزب الله اليوم في مأزق، فيسعى الى تجميع اوراق الضغط عليه في لبنان امنياً وسياسياً، مستفيدا من فرصة الحضور الدولي والاقليمي في سوريا والعراق. وكذلك فان من المبالغة اليوم اعتبار ان حزب الله، الذي انحاز الى التمديد النيابي، وركز امينه العام السيد حسن نصرالله في لقائه كوادر الحزب في البقاع على استمرار المعركة ضد «الارهابيين التكفيريين» يمكن ان يكون اليوم في مرحلة المساومة على اجراء انتخابات رئاسية بأي ثمن. وفي وقت لا يرى فيه الحزب نفسه منهزماً او مأزوماً، ما المتغيرات التي ستجعله يوافق خلال اسابيع قليلة على مرشح تسوية، مع ما يعنيه ذلك من تخل عن مرشحه الحالي، اي رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون.

خامساً، ان السقف الذي رسمه العماد عون في ذكرى 13 تشرين الاول حول موقع رئاسة الجمهورية، والكلام الذي تردده الحلقة المقربة منه، لا يوحيان مطلقاً بأن لديه اي استعداد للتراجع عن كونه مرشحاً وحيداً لقوى 8 آذار. فعون كان، ولا يزال، يرفض مقاربة البحث في المرشحين التوافقيين، مهما كانت نوعية العروض التي قدمت اليه مع كل اسم. ولم يظهر مطلقا في الايام الاخيرة انه اقتنع بأن انتخاب اي مرشح توافقي يمكن ان يخرج البلد من عنق الزجاجة والازمة المفتوحة.