IMLebanon

إلى اللقاء في جنيف -٩

 

انتهى العام ٢٠١٧ او يكاد ، وما زالت سوريا الجريحة، آسيرة حروب الآخرين، وبالشراكة الكاملة مع حروب الإخوة – الأعداء، الامل ان يحمل العام ٢٠١٨ بصيص أمل لحل سياسي دولي تديره موسكو علناً وتتلاعب واشنطن به في صمت غير معهود اميركياً. ربما لان الرئيس الأميركي دونالد ترامب في وادٍ والمؤسسات الفاعلة خصوصاً العسكرية منها في وادٍ آخر. في قلب هذا ان روسيا تتحرك وتتدخل علناً، في حين ان أميركا موجودة ولها جنود وخمس قواعد على الارض، ولا تعلن شيئاً.

فلاديمير بوتين الرئيس – المرشح لخلافة نفسه، زار قواته في “قاعدة حميميم” في سوريا، وأعلن انسحاب هذه القوات بحضور الاسد، الذي بدا الضيف وبوتين صاحب الارض. في الواقع هذا الإعلان فعل انتخابي ضروري وواجب. بوتين المرشح لخلافة نفسه يريد الورقة السورية خارج الحملة الانتخابية، حتى لا تستخدمها المعارضة ضده. بالعكس جعلها ورقة بيده عندما أكد انه اصبح لروسيا بدل القاعدة التي اصبحت ضخمة بعد تحديثها في طرطوس، قاعدة جوية ضخمة في “حميميم” ستضم بشكل دائم كما يتداول اكثر من ٢٥ طائرة حربية وتجهيزات لاستقبال العشرات فور صدور الامر. وفي رسالة مبرمجة وليست عفوية للجمهور الروسي نحى ضابط روسي بشار الاسد بعيداً عن رئيسه بوتين خلال تقدمه لمعاينة جنوده، على قاعدة ” الامر لي“.

إمساك بوتين بالقرار في سوريا حقيقي ، ولكنه ليس مطلقاً ولا حراً. “القيصر” يعاني من حليفيه الايراني والاسرائيلي أساساً، ومن “الخطوط الحمر والصفرالاميركية. طموح ايران في سوريا – الاسد غير محدود. تعتقد طهران وتحديداً الولي الفقيه آية الله علي خامنئي ومعه مجموعة من الحرس الثوري على رأسها الجنرالان محمد علي جعفري وقاسم سليماني ان سوريا مثل الخاتم بأصابعها وأنها “لن تتخلى عنه ولن يخدعنا احد لنزعه”. في حين ان اسرائيل ترى انها حققت ما كانت تحلم به في ضم موسكو ولو من باب الحاجة للتحالف معها، في وقت وصل فيه التحالف مع واشنطن الى أقصى مدى. لذا فإنها “حرة التصرف في استخدام يدها الضاربة والطويلة جداً” لكل ما يحمي أمنها القومي. وإذا كانت لإسرائيل حساباتها في توقيت حروبها الشاملة والمباشرة، فإنها تتابع “حروب الظلال والظلام” وهي مطمئنة بان كل الردود ستبقى تحت السقفين الروسي والاميركي معها الى جانب قوة الردع التي تملكها .

تأكيداً لهذه الاستراتيجية الاسرائيلية، فإنها رد على اصرار ايران في ” زرع” وجودها في سوريا تحت الارض وفي الانتشار فوقها ولو تحت العلم السوري، فانها بدأت تنفذ سياسة جديدة، تعتمد “العمليات العسكرية الجراحية” التي تؤذي جداً دون ان تنتج حرباً شاملة. ولهذا فإنها بعد اعتماد سياسة الغارات الجوية المحدودة ضد قوافل “حزب الله” واغتيال من تريد اغتياله من القيادات الحزبية والايرانية، وجهت مؤخراً ضربات جوية مباشرة للقوات الايرانية ولو تحت غطاء انها تقصف قواعد سورية معادية لها. وكل ذلك بعلم وبتنسيق مع القيادة الروسية العسكرية وبضوء سياسي اخضر من الكرملين. من ذلك:

* تدميرالقاعدة الايرانية الموجودة ضمن قاعدة سورية معروفة في “الكسوة” ولم يستثنَ اي مبنى بما فيها برج التوجيه والمراقبة.

* مركز الأبحاث العسكرية في جبرايا، وتقدر الخسائر بحوالي ٧٠ باحثاً سورياً وإيرانياً وحتى كورانيين شماليين .

* مشاريع معامل صواريخ في مصياف جنب حماه.

* ضرب كتيبة إيرانية جنوب حلب.

المأساة في كل ما يحصل الآن في سوريا، كما يقول العديد من السوريين ان العرب وبطبيعة الحال السوريين، وضعوا امام خيارين من العلقم، القبول بالاحتلال الايراني او التصفيق لإسرائيل. ما يعزز هذا الموقف ان منسوب الشعور السوري الشعبي بمعاداة ايران اصبح مرتفعاً جداً مع نسبة غير محدودة من الاحقاد المذهبية والقومية، نتيجة لتدمير سوريا باسم الدفاع عن الاسد ونظامه .

يبقى ان فلاديمير بوتين يتحرك وهو يأخذ في حساباته واشنطن. لذلك لا حلّ عسكري ولا سياسي بدون كلمة السر الاميركية. ما يعزز ذلك ان “لواشنطن أيدي وآذاناً وعيوناً ” في الجو والبحر والأرض، حيث يعتقد ان قواتها منتشرة في خمس قواعد صغيرة وكبيرة تضم خمسة آلاف جندي الى جانب اكثر من عشرة آلاف جندي في العراق. وتبدو واشنطن موافقة ومرحّبة لكل خلاف او تنافس روسي – إيراني، مثلما انها سعيدة بكل ضربة إسرائيلية تساهم في “لي اليد الايرانية” دون إقحامها في ذلك مباشرة او حتى بالوكالة .

طريق الجلجلة السوري طويل ودامٍ، لان تحقيق المصالح هو الأساس بعد دفن المبادئ ..لذا لا حساب للبشر والحجر.