IMLebanon

اعادة «نــفــض الغبار» عن الحريري تثير «هـواجــس» عون

مهمة «المرشـــح الطبيعي» افشال العهد لارضـــاء السعودية؟

اذا كان رئيس الجمهورية ميشال عون قد قال «كلمته ولن يمشي»، فهذا الامر لم يكن مفاجئاً، لان كل ما حكي سابقاً عن استقالة محتملة للرئيس، مجرد ترهات غير قابلة للصرف لان الموجود في قصر بعبدا اليوم ليس من «طينة» الرؤساء الذين يستسلمون بسهولة ويتراجعون امام الضغوط الداخلية او الخارجية والتجارب السياسية او العسكرية السابقة لا تحتاج الى الكثير من الدلائل على هذا الاستنتاج، لكن الواضح في كلام الرئيس بالامس انه اراد مشاركة اللبنانيين قراره بعدم التوقيع على حكومة يرأسها سعد الحريري غير المؤهل لقيادة الاصلاح… هذا في الظاهر، اما ما خفي فهو اعظم، والاسئلة الجوهرية التي المح اليها دون ان يطرحها مباشرة، ولكن صداها يتردد في اروقة القصر الجمهوري، وسبق وطرحت على الحلفاء، ترتبط بمهمة الحريري بعد تكليف نفسه مهمة ترؤوس الحكومة الجديدة؟ فلماذا عاد ليقبل بمهمة رفضها قبل سنة استجابة «لنبض» الشارع؟ وهل يستحق منحه فرصة جديدة في زمن لم يعد احد يملك فيه ترف التجربة مع شخصية معروفة بتضييع الفرص؟

 

ثمة قناعة راسخة لدى رئاسة الجمهورية والتيار الوطني الحر، بان الحريري مكلف باجندة واضحة بندها الوحيد اجهاض ما تبقى من عمر العهد، وهذه المهمة برأي مصادر مقربة من بعبدا، تعتبر «فيزا» العودة الميمونة للحريري الى السعودية، فالرجل الذي خالف رأي قيادة المملكة، وغامر بالتسوية الرئاسية التي كلفته احتجازه في الرياض، يريد الآن تصحيح الموقف من «البوابة» نفسها، وهو يريد شخصياً تصحيح الخطأ المرتكب من قبله آخذاً في الاعتبار الظروف الداخلية والخارجية الضاغطة، ويريد استثمارها لاجبار الرئاسة الاولى على تقديم تنازلات جوهرية تنهي مسيرة الجنرال السياسية بهزيمة مدوية تنهي اي آمال لوريثه السياسي جبران باسيل بالاقتراب من القصر الرئاسي… وهذا الامر يتم من خلال مسألتين، اما الرضوخ لشروطه، او البقاء رئيساً مكلفاً الى ماشاء الله…

 

ولتأكيد وجهة نظرها، تسأل تلك الاوساط عما تغير منذ عام وحتى اليوم كي يعاد تعويم الحريري سياسياً وادعاء قدرته على اجتراح الحلول الاقتصادية للبلد المنهار، فهل يمكن لتجربة مستنسخة ان تعطي نتائج مغايرة؟ وهل نسي من يؤيدون عودته كيف ادار ظهره للجميع واستقال من رئاسة الحكومة بعد ايام من اقرار الورقة الاصلاحية، وترك الجميع يغرقون محاولاً تقديم نفسه قائداً للثورة؟ فاي ضمانة يمكن ان يقدمها هذا الرجل الذي تتحكم في قراراته حسابات معقدة لا يمكن الركون اليها، مستغلا انه الاقوى في طائفته،لاعادة انتاج نفسه وتعويض خسائره على حساب القوى الاخرى متبرئاً من المسؤولية عن سياسات بالية مسؤولة عما وصلنا اليه…!

 

واذا كانت الرئاسة الاولى ومعها التيار الوطني الحر قد تبلغا من حزب الله، بانه لن يتخلى عنهم في عملية التأليف، وانه غير معني باثارة الشارع السني من خلال عرقلة تكليف الحريري برئاسة الحكومة، الا ان ما يشغل بال بعبدا وميرنا الشالوحي لا يرتبط بملف التأليف لان الرئيس يملك من خلال التوقيع «الفيتو» الذي لن يسمح لاي رئيس حكومة بالتفرد في هذه العملية، وتسأل تلك الاوساط، عما اذا كان الحريري اصلا يرغب بتشكيل حكومة؟ وتشير الى ان من ساهم بانتقاد تأجيل الرئيس عون الاستشارات النيابية عليه ان يتحمل مسؤولية فرض الحريري رئيساً مكلفاً على الجميع، ومنحه عبر ذلك «ورقة» تعطيلية مجاناً، فيما كان يفترض ان يحصل الاتفاق الكامل قبل القبول بعودته، الم يسأل هؤلاء عن اسباب عدم رغبة المرشح «الطبيعي» للتفاهم حول خارطة طريق الحكومة قبل تكليفه؟ وماذا سيفعلون لاحقاً اذا ما اصر على شروطه «التعجيزية»؟ ورفض بعد ذلك الاعتذار!

 

وتلفت تلك الاوساط الى ان «عتب» الرئاسة الاولى «والتيار» على الحلفاء انهم قدموا مصالحهم دون الالتفات الى مخاطر منح الحريري «ورقة» رابحة مجانية، وهو الذي لم يقبل «لبن العصفور»، ورفض مناشدة السيد نصرالله بعدم الاستقالة، وحاول استغلال الضغط الفرنسي لحرمان الشيعة من وزارة المال، لكن «الثنائي» عاد للتساهل معه رامياً «الكرة» في ملعب رئيس الجمهورية،وبتنا اليوم امام تكرار لتجربة التأليف مع مصطفى أديب، لكن الصراع انتقل من الضفة السنية – الشيعية الى الضفة المسيحية – السنية، مع مفارقة هامة عنوانها رغبة الحريري في استعادة ما خسره سياسياً وشعبياً وخارجياً، رافضاً اي تسوية مع باسيل الراغب في استعادة حظوظه الرئاسية التي تهاوت بعد 17تشرين…

 

في المقابل، ترى مصادر مقربة من «الثنائي» ان العتب ليس في مكانه، فعندما «ركبت» التسوية الرئاسية عام2016 كان التقاسم على «القطعة» «وبالجملة» بين باسيل والحريري ولم تكن اي مصلحة اخرى في الحسبان، واليوم يريد اصحاب التسوية ان يدفع الاخرون ثمن فشلها، كما ان الرئاسة الاولى «والتيار» لم يساندا «الثنائي» في المعركة المفتلعة من قبل «نادي رؤساء الحكومات» حول حقيبة المال وتسمية الوزراء في حكومة اديب، بل وعلموا في السر والعلن لمنعهما من تحقيق مطالبهما، فلماذا «اللوم» اليوم اذا كانت القاعدة السائدة لدى هذا الفريق هي «انا ومن بعدي الطوفان»!

 

وازاء هذه المعطيات، يدرك الجميع بمن فيهم الحريري ان تكليفه لا يعني بالضرورة ان خاتمة التأليف ستكون سعيدة، فعدم التوافق مع التيار الوطني الحر والرئاسة الاولى على مهمة، وطبيعة، ونوعية، الحكومة العتيدة، يعني حكما ان «الولادة» لن تحصل حتى لو استمر الفراغ الى نهاية العهد الذي لن يقبل الخسارة ودفع اثمان مكلفة انتخابياً، وسياسياً، ولهذا فان «المكتوب يقرأ من عنوانه»، ولو كانت نوايا الحريري صافية، ويرغب حقاً بحكومة انقاذية، لكان عمل جاهداً لتفكيك الالغام من طريقها، وقد منحه عون اسبوعاً كاملاً ليفعل ذلك، ولكنه غاب عن السمع ورفض اي وساطة للتواصل مع النائب جبران باسيل او الرئاسة الاولى، مصراً على فرض نفسه «القوة» على كتلة وازنة تملك مفاتيح عبوره الى السراي الحكومي، وهو يعرف جيداً ان تجاهلها لن يسعفه في العودة الى السلطة، فلماذا هذا العناد؟ وهل يظن ان رئيس الجمهورية سيتخلى عن حقه في تسمية الوزراء المسيحيين، أسوة بالوزراء السنّة، الذين يفترض أن يسمّيهم ، والوزراء الشيعة الذين سيسمّيهم «الثنائي»؟ فهل سيمنح عون «الحياة» لحكومة لا تتمتع بميثاقية مسيحية؟

 

في الخلاصة، كل المعطيات تشير الى حصول تعثر حتمي في عملية التأليف،اذا لم يعتمد الحريري مقاربة منطقية وواقعية تسهل «الولادة»، خصوصاً ان الاتكال على الضغوط الخارجية او الداخلية لن يجدي نفعاً، فالرئيس المكلف امام فرصة لاثبات حسن نواياه، او تأكيد الهواجس والاتهامات بانه في مهمة اوكلها لنفسه لتعطيل ما تبقى من ايام العهد وتمرير ولاية الرئيس عون دون حكومة او انجازات لارضاء السعوديين والتكفير عن ذنوبه…