IMLebanon

ميشال سماحة من الريحانية إلى الأشرفية: «الثقة.. الثقة.. الثقة»!

يقف المحامي صخر الهاشم تحت قطعة رخام ذهبيّة كتب عليها «كرم 565 م.». تقع قطعة الرخام على بعد أمتارٍ قليلة من ساحة ساسين في الأشرفيّة. وسائل الإعلام في كلّ مكان، والهاشم يحاول «توزيع نفسه» بينهم. راق لبعض الصحافيين والمصوّرين الوقوف على الرصيف المحاذي الذي يفصل الخطّ الشرقي عن الغربي، ومنهم من فضّل المكوث عند باب المبنى.

لا فرق بين وقفةٍ وأخرى. المهمّ انقشاع الرؤية لمشاهدة ميشال سماحة الذي أشار وكيل الدّفاع عنه إلى أنّه يعمل على توضيب أغراضه الكثيرة في سجنه في الريحانيّة لينضمّ إلى أفراد أسرته، ويشارك في التحضيرات التي تجري على قدمٍ وساق لزفاف ابنته الصغرى الشهر المقبل. إذاً، عُرف السبب.

الزحمة في أوجها. عسكريّان يتكفّلان بتسيير السير المعرقَل. لا أحد غيرهما في المكان. لا يبدو أن أحداً من جيران «معاليه» مهتم بأنّ جاره سيطلّ بين فينة وأخرى بعد سنتين و4 أشهر و5 أيّام على غيابه عن المبنى. أصحاب المحال المحيطة يكملون أعمالهم. البعض القليل منهم يحاول استراق النظر إلى الضجّة المحيطة.

ومع ذلك، الصحافيون ينتظرون «المشهد المغري»: يترجّل سماحة من السيارة الآتيّة من سجن الريحانية، فينثر أهله الأرز والورود احتفاء بخروج المتّهم بإدخال متفجّرات إلى لبنان والتخطيط لعمليات تفجير، من سجنه.

ولكن لم يرَ الزملاء هذا المشهد. فعند السّاعة 4 و56 دقيقة تركَ الهاشم وسائل الإعلام وما لبث أن ضغط زرّ المصعد للتوجّه نحو الطبقة السادسة قبل أن يتأكد من أنّه أقفل الباب الفاصل بين مدخل المبنى والسلالم والمصعد، جيّداً. قال الهاشم كلمته: «سماحة صار بالبيت»، ومشى من دون أيّة معلومات إضافيّة.

إذاً، قرّر الرّجل الذي يحب الظهور الإعلامي أن يتخفّى، ويصعد إلى منزله بعد أن ركن السيارة في مرأبٍ تحت الأرض ثم استقلّ المصعد من دون أن ينتبه أحد، وبعد أكثر من أربع ساعات على صدور قرار تخلية سبيله من محكمة التمييز العسكريّة.

الآن ماذا بعد؟

لا أحد يعلم الإجابة عن هذا السؤال، إذ إنّ دقائق قليلة كانت كفيلة بقلب الأدوار، وأكثر من 20 صحافياً ومصوراً قرروا الانتظار. حَمَل البعض منهم دفتره فيما الآخرون حملوا كاميراتهم وسلّطوها نحو المصعد. تمسكوا جيداً بالقضبان. هذه ليست قضبان سجن وزارة الدّفاع ولا نظارة المحكمة العسكريّة، وإنّما الألواح الخشبيّة التي وقف الصحافيون خلفها تماماً كالتي وقف خلفها المتّهم سابقاً.

ساعة كاملة قضاها هؤلاء. كلمة واحدة كافية لرفع مستوى «الأدرينالين»: «إجا إجا»، ويندفع الصحافيون عندما يلمح أحدهم المصعد متوقّف عند الطبقة السادسة قبل أن يعود للنزول، لتكون النتيجة نفسها. وحتى أنّ خروج ناطور المبنى من المصعد، استدعى من الصحافيين التقدّم نحو الألواح الخشبية لينادي أحدهم: «أستاذ ميشال»!

بقي الوضع على هذا الحال إلى أن وصل «الأبونا» الذي قرّر أن يبارك سماحة في منزله بالمياه المصلى عليها، وبعدها بثوانٍ قليلة كان صخر الهاشم يصدر قرار «تخلية السبيل»: «تفضّلوا إلى المنزل».

وسريعاً، ركض الصحافيون والمصوّرون نحو الطبقة السادسة. الباب الخشبي مشرّع على مصراعيه. لا أحد في استقبال الزملاء سوى «كيوي».. إنّه كلب آل سماحة ذو الوبر الأسود. يهزّ بذنبه ويتطلّع متفاجئاً بالزوار الكثر.

أفراد المنزل يتوزّعون داخل الصالون الكبير وبينهم عدد من المهنئين. كلّ شيء منظّم ومرتّب. لا حقائب كتلك التي أخذها ميلاد كفوري يوماً ولا من نوع آخر كتلك التي أتى بها سماحة من سجنه. كلّ شيء تمّ توضيبه. شجرة الميلاد في مكانها أيضاً، لم تنطفئ أضواؤها بانتظار صاحبها.

لا تبدو ملامح أهل البيت منفرجة. صحيح أنّهم فرحون بالخبر الذي ضجّ به البلد، إلا أنّ تهافت الإعلاميين أزعجهم، ولم تتوانَ صاحبة المنزل وابنتها عن طردهم في اللحظة الأخيرة: «الباب مفتوح تفضّلوا لبرا»!

في الناحية الثانية، هناك من هو فرح في هذا الازدحام. يجلس ميشال سماحة على طرف الكنبة. يوزّع ابتساماته على الجميع، وتلك النّظرة الممتلئة ثقة. لا يحرّك ساكناً أمام هذا الكمّ من الأشخاص، هو الخارج للتوّ من سجنه الانفرادي.

إعلان التوبة الذي ردّده داخل «العسكريّة» لم يكن له مكان بالأمس. فقط «الثقة.. الثقة.. الثقة». هي الكلمات الثلاث التي ردّدها ميشال سماحة أمام ميلاد كفوري، ثم أوحى بها بنظراته، بجلسته وبكلّ حركةٍ أتى بها في منزله أمس. حاول الوزير السابق أن يقول: لا شيء حدث!

ابنته الصغرى التي كانت تتكئ على الحائط في المحكمة وهي تنظر إلى والدها. هي اليوم في المشهد نفسه مع فارق وحيد، أنّ ابنتَيْ سماحة لا تريدان لوالدهما النّطق بأي كلمة.

لم تنفع توصيات الهاشم من ردّ شهيّة سماحة على الكلام. استوى المتّهم في جلسته وأطلق العنان لكلامه. من انتظر أن يجلس «معاليه» في منزله ويختبئ من عيون الناس، خاب ظنّه. فأوّل ما نطق به الرجل كان وعده بأن يكمل نشاطه السياسي.

هكذا إذاً، وسيط التسويات السياسيّة والمحاور من الطّراز الأوّل الذي لم يملّ من نظريّة «التغرير به» من قبل ميلاد كفوري، سيعود إلينا. هو أصلاً لم يتوقّف عن النشاط السياسي، بل أكثر من ذلك، هو يعتبر أنّ وجوده في السّجن جزء من هذا النشاط!

كيف؟ لماذا؟ لا أحد يعلم. المهمّ أنّ هذا ما يقتنع به صاحب الشأن. قناعة لا يحدّها غير منتقدي قرار تخلية سبيله الذين دعاهم إلى «عدم حماية المسلحين من تنظيم داعش وغيره من التنظيمات».

ومع ذلك، يؤكّد الرجل أنّه ملتزم عدم الحديث عن مسار جلساته، مشيراً إلى أنّه سيحضر الجلسة المقبلة المحدّدة في 21 المقبل.

وقف ميشال سماحة، ليعلن انتهاء الحديث. التفّ نحو ظهر الكنبة للخروج إلى غرفة أخرى. تحاول إحدى بناته أن تهمس له بأن يتوقّف عن الكلام، فيما تقوم أخرى بالإمساك بيده وشدّه للخروج. لم تنفع هذه الأساليب أيضاً لوقف الرجل الذي يرفض أن يردّ «طلب سؤال»، إلى أن سمع صوت مراسل قناة الـ»ام. تي. في». الزميل جورج عيد «سدّ شهيّة» سماحة عن الكلام ليجيب على سؤاله بالقول: «أنت ومحطتك بالذات، لن أردّ على أسئلتكما».

صار إخراج سماحة إلى غرفة مجاورة أسهل على ابنتيه. فعمدت إحداهن إلى إقفال الباب بقوّة وعصبيّة قبل أن تطرد الصحافيين بالقول: «الباب مفتوح».

وكما خرج سماحة، عاد ودخل، ليرحّب بالموجودين ويستقبل المهنئين في منزله.

قرار إخلاء السبيل

وافقت محكمة التمييز العسكرية برئاسة القاضي طاني لطوف، بالإجماع، وبعد الاطلاع على رأي ممثل النيابة العامة التمييزية، على طلب وكلاء الدفاع عن الموقوف الوزير السابق ميشال سماحة تخليته، مقابل كفالة مالية قدرها مئة وخمسون مليون ليرة، ومنعه من السفر مدة سنة ومنعه من تناول ملف القضية والتحقيقات الأولية والإدلاء بتصريحات لوسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة ولشبكة التواصل الاجتماعي.

فيما أبلغت النيابة العامة التمييزية محكمة التمييز العسكرية عدم موافقتها على إخلاء سبيل سماحة إلا أن القرار في النهاية يعود للمحكمة.