IMLebanon

المعلومة العسكرية التي تحتاج إلى نقاش سياسي

الأرجح وحتى صدور كتابه الأول بعد مغادرته الرئاسة في نهاية هذا العام، ستكون مقابلة الرئيس باراك أوباما لمجلة “ذي أتلانتك” أهم شهادة تبريرية ومعلوماتية للسياسة الخارجية في عهده ولا سيما في الشرق الأوسط.

لا أعرف عدد الذين قرأوا هذه المقابلة في المعارضة المدنية والعلمانية السورية ولكن الأرجح أن أيا منهم لم تصدر له مناقشة للآراء الخطيرة التي تضمنتها حول مسار الثورة السورية. فأوباما يعيد ترتيب ليس فقط الأولويات وإنما أيضا مسار الأحداث والوقائع.

بين الآراء والمعلومات المثيرة جداً التي حملتها هذه المقالة معلومة ربما هي الأكثرة إثارة وأهمية، بل هي كذلك، ولم تحظَ بالتوقّف عندها لدى كثيرين بمن فيهم كاتب هذه السطور في مقالتي السابقة حول الموضوع ( الثلثاء 15-3-2016 : الشرق الأوسط ما بعد “ذي أتلانتك” . إذ يقول الكاتب جيفري غولدبرغ بصيغة تذكير للرئيس باراك أوباما أن لديه جيشاً من “المتمرِّدين” تعداده عشرة آلاف مقاتل تحت إمرة “السي آي إي” في سوريا يقاتلون الإرهابيين، ومع ذلك يظهر الرئيس دائما “متلعثما” حين يُسأل عما يقوم به لمكافحة الإرهاب هناك.

عشرة آلاف مقاتل سري تحت إمرة “السي أي إي” ؟ أين يمكن أن “يختفي” هؤلاء؟ هل هم قوة قائمة بذاتها في أماكن متفرقة أم هم داخل أسماء “ثورية” أخرى: “الجيش الحر” أو “جيش الإسلام” أو حتى “النصرة” و”داعش” أو غيرها؟ آسف لهذا النوع من الأسئلة التي لن تعجب البعض أو حتى هل بعض هذه التشكيلات متعاون مع النظام السوري مباشرة أو بعضها موجود في الأردن وتركيا والعراق، وأين في لبنان حيث لا شك يتعاون في هذه الحالة، مشكوراً، مع الجيش اللبناني ومن يدري ربما أيضا مع “حزب الله” مباشرة أو غير مباشرة عبر الإيرانيين. أو هو كله كما يوحي النص موجود على الأرض السورية؟

عشرة آلاف… تحرِّكهم “السي آي إي” مباشرة حسب معلومة الكاتب أمام الرئيس الأميركي وجهاً لوجه ولا ينفيها أوباما بل يؤكدها حين يعترف لغولدبرغ بأنه مقصِّر في إظهار ما يقوم به ضد الإرهاب.

وهنا سأوقف الإيجاز لأنقل النص حرفيا:

يقول مسؤولون في إدارة أوباما إن لديه مقاربة شاملة لمكافحة الارهاب: طائرات من دون طيار، غارات تنفذها القوات الخاصة، وجيش سرّي مدعوم من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إي) قوامه عشرة آلاف متمرد يحاربون في سوريا. فلماذا يتلعثم أوباما إذاً عندما يشرح للأميركيين أنه هو أيضاً يكترث لأمر الإرهاب؟ قلت له إن المؤتمر الصحافي في تركيا “كان لحظة مؤاتية لك كسياسي كي تقول: نعم، أنا أيضاً أكره الأنذال، وبالمناسبة أنا أعمل على القضاء عليهم'”. الخطوة السهلة التي كان يُفترَض به القيام بها هي طمأنة الأميركيين بعبارات قوية بأنه سيقتل الأشخاص الذين يريدون قتلهم. هل يخشى رد فعل عنيفاً ضد تدخل جديد للولايات المتحدة في الشرق الأوسط؟ أم أنه منفصل تماماً عن مشاعر الأميركيين وانفعالاتهم؟

أجاب: “لكل رئيس نقاط قوة ونقاط ضعف. ولا شك في أنني لم أعرْ في بعض الأحيان انتباهاً كافياً للمشاعر والانفعالات والسياسة في إطلاع الناس على ما نقوم به وكيف نقوم به”(انتهى النص الحرفي، ترجمة نسرين ناضر).

هذا ليس كلاماً عن أنشطة إستخباراتية في الظلام أو في الظل بل كلام عن عشرة آلاف مقاتل ميداني يحتاجون إلى تنسيق وتموين وإمداد وأركان وضباط؟ ثم من أية جنسيات؟ كم عدد الثوار السوريين بينهم ووو… إذ سبق لمسؤولين أميركيين أن أخبرونا بأن معظم العناصر التي دربوها عسكريا من المتمردين السوريين التحق بتنظيمات أصولية متطرفة، وإذا بنا نسمع فجأةً أن هناك جيشا كاملا بأمرة “السي آي إي” من عشرة آلاف مقاتل.

من يموّلهم؟ دافع الضرائب الأميركي أم الأوروبي أم “لا دافع” الضرائب في بعض الدول أو غيرهم؟

هكذا نكتشف إذن أن القوة الميدانية الرئيسية في سوريا بعد الجيش السوري هي القوة “الأميركية” التي لا بد أنها متعددة الجنسيات.

هل تستطيع الحكومة اللبنانية أن تستدعي هذا الجيش الكبير أو بعضه لحمايتنا من “داعش”؟

هذا ليس فيلماً هوليودياً. هذه حقيقة سياسية وعسكرية في سوريا على ما يبدو لم نكن نقدِّر أنها بهذا الحجم. إنها حقيقةٌ عن ما كانت ثورة وأصبحت حرباً بل “جريمة منظّمة” كما يسمّي أوباما الشرق الأوسط كله في تلك المقالة.

في كل الحالات تبقى هذه المعلومة لغزاً ولو أُفشيَ السر.