IMLebanon

انفعال عمره أكثر من ربع قرن

ربما كان العماد ميشال عون يعمل لملاقاة الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في دعوته الى مؤتمر تأسيسي يعيد صياغة النظام اللبناني الذي قام عام 1943، والذي قد يتفق كثيرون على انه صار في حاجة الى ترميم. فسياسة التعطيل التي اعتمدها تؤدي حكماً الى هذا الطريق، ذلك ان البلاد من دون رئيس للجمهورية بسبب تمسك عون بشعار “انا أو لا أحد”، وقد طبّق القول بدعم من حليفه “حزب الله”. واليوم يسعى الى تعطيل الحكومة لأنها لم تمضِ معه في تعيين صهره قائدا للجيش، بدعم من “حزب الله” أيضاً. ويرى عون ان مجلس النواب الذي مدّد لنفسه غير شرعي، ولا يحق له التشريع. لذا ينبغي تعطيل كل مؤسسات الدولة، من أجل توفير المناخ الملائم للمضيّ في تعديل الصيغة وقيام مؤتمر تأسيسي كان دعا اليه حليفه.

قد تكون الدعوة محقة اذا تأمنت لها الظروف المناسبة، وهي كثيرة، منها:

– توافر الاجواء الحوارية بين اللبنانيين بما يؤسس لمسيرة تفكير ووضع اوراق عمل تكون المدخل الى تعديلات مستقبلية لجمهورية جديدة.

– اعادة النظر في اتفاق الطائف، ما طُبِّق منه وما لم يطبَّق، قبل نسفه، اذ كان ثمرة نقاشات ودراسات طويلة وتوافق.

– ضمان ألا يؤدي أي تعديل او تغيير الى سفك دماء جديدة ولا يؤسس لحروب مستقبلية جديدة.

– توفير الغطاءين الاقليمي والدولي، فلا يأتي أي تعديل لمصلحة فريق على حساب آخر، وخصوصا من الافرقاء الذين باتوا يشكلون جزءاً من محاور اقليمية.

– ان يضمن كل تغيير صيغة التعايش في لبنان، تلك الصيغة التي باتت حاجة دولية في عالمنا مع تنامي النزعات الاتنية والمذهبية والعرقية وغيرها، ومطالبة كل منها باشراكها في السلطة.

لكن الظروف المحيطة وهوية المطالبين لا توحي الثقة لأن أياً منهم لم يحترم الصيغة القائمة والدستور والقوانين أو يعمل بموجبها، فيدرس حسناتها وسيئاتها ويقومها بمفهوم علمي قبل المطالبة بتعديلها.

فالعماد عون اختار طريق الميليشيا لدى تسلّمه الحكومة العسكرية الموقّتة، فخالف القوانين العسكرية والمالية والادارية وضربها عرض الحائط، وأكمل في تفاهماته الجانبية، سواء مع “حزب الله” أو مع “القوات اللبنانية”، فلم يتفق مع الاول على صيغة لنزع سلاحه غير الشرعي بل وفّر له الغطاء المسيحي، ودعمه في حروبه التي يفرضها على البلاد من دون اي اعتبار لمنطق المؤسسات والقانون، ولم يتفق مع الثاني على صيغة للخروج من نفق الشغور الرئاسي. ولم يتقرب من “المستقبل” الا على ابواب الرئاسة.

اما الحزب، فعمل ويعمل باستمرار على تخطي الدولة والقوانين، وحروبه في سوريا خير دليل على ذلك، اذ تحول معها جزءاً من المشروع الايراني الداعم لنظام بشار الاسد، ولم يرتضِ سابقا أي مشروع وطني للاستراتيجية الدفاعية، فضلاً عن انه يرفض تسليم المطلوبين منه للعدالة الدولية …

فكيف يريدنا الطرفان ان نمضي معهما في هذه الظروف في مشروع مؤتمر تأسيسي؟ صحيح ان ما يقوم به الجنرال حاليا من تجييش، يوحي بأجواء انقلابية، ولكن صحيح أيضاً ان انفعال عون ودعواته الى تحريك الشارع تعود الى اكثر من ربع قرن، وهي لم تثمر حتى اليوم شيئاً في مسيرة بناء الدولة، بل بالعكس، تسببت بفوضى وحروب واقتتال.