IMLebanon

حراك الشارع بين الشرعية والازدواجية  

لاقى الحراك الشعبي الذي فجّرته أزمة النفايات احتضاناً واسعاً من أبناء المجتمع المدني اللبناني الواحد، بعيداً من قطبي الصراع السياسي، والذي أدى إلى جمود وانسداد افق الخلاص، وصار واضحاً أن مجموعات كثيرة تنضم إلى الشارع علّها تفتح ثغرة في الصورة المعتمة، وهي لا شك أضاءت على مشكلة أساسية في الحياة السياسية اللبنانية، اذ فتحت كوة في الجدار وهي مشكلة الفساد ومحاسبة الفاسدين المسؤولين عن الفضائح الكبيرة والصغيرة في ملفات تمس كل مواطن في حياته المعيشية اليومية وتنال من كرامته الإنسانية، بدءاً من النفايات مروراً بالكهرباء وصولاً إلى الغلاء.

صحيح أن القوى السياسية فوجئت بحراك الشارع وبشعارات طرحت من قبل حملة «طلعت ريحتكم» أو غيرها، لكن المواطنين اللبنانيين تعاطفوا معه وكانوا جزءا لا يتجزأ منه مما عزز وجود ما يسمى الرأي العام الذي لا يمكن تجاهله، هناك من القوى السياسية من احترم ما قدمه هؤلاء من دون أن يدخل على الخط مباشرة وابدى تعاطفا من عن بعد وبعضها كان حذراً وآخرون ممن كانوا في ساحة «الحرية» يوم 14 آذار 2005 عادوا إليها بقرارات شخصية، إلا أن اللافت أن قوى اخرى وعلى رأسها «حزب الله» كانت في حالة مختلفة. ففي البداية اتهم هؤلاء بأنهم من مدرسة «الأميركان»، وأنزل مجموعاته التخريبية للجم المندفعين إلى التحركات، وكانت تصريحات مسؤوليه وقيادييه علنية في استغلال شعارات المتظاهرين، لا سيما «الفساد» لتوجيهها إلى الخصم السياسي وكأن الحزب وحلفاءه براء من ذلك، وبدلاً من العودة إلى نظام المؤسسات لتفعيل الرقابة والمحاسبة، يلحن على نغم زمن الوصاية عبر التهجّم على «الحريرية» ووضع المسؤولية على حكومات كان شريكاً فيها هو أيضاً، فهو إذن ليس غريباً عن «أورشليم»، وعبر التحريض على وسط بيروت وكأن هذا الوسط برمزيته ملك خاص، وليس ملك اللبنانيين جميعاً سواء هؤلاء الذين كانوا في ساحة رياض الصلح في 8 آذار 2005 أو الذين تجمعوا من أجل الحرية والسيادة والاستقلال والعدالة في ساحة الشهداء في 14 آذار 2005. إنه منطق المفلسين الهاربين من مواجهة الحقائق.

لقد فتح حراك المجتمع المدني الأعين بشكل غير مباشر على «حزب الله» من خلال تحريك الأمور وتحميل المسؤوليات، فجمود المؤسسات وراءه قوة موازية لقوة الدولة، تعوق حركة إدارة النظام عبر مؤسساته. ففي لبنان دولتان، الدولة والدويلة، وجيشان الجيش الشرعي والميليشيا، هناك ازدواجية في القرارات السياسية والعسكرية، فقوة ميليشيا «حزب الله» باستطاعتها خرق الحدود وإعاقة القضاء ومنع القوى الأمنية من دخول مناطق أو تنفيذ حكم القانون، فكيف لحكومة لبنان العمل؟ وكيف لمجلسه النيابي القيام بدوره التشريعي وانتخاب رئيس جمهورية طالما أن المعطلين لا ينزلون إلى البرلمان؟ أليست الازدواجية التي يمارسونها هي المسؤولة عن الاحتقان السياسي والمعيشي والاقتصادي الذي يتصاعد في البلد؟ أليس التعثر القائم ناتجاً من أن بعض القوى السياسية حليفة هذا الحزب تعمل تحت سقف ما يريده هذا الحزب ووفقاً لأجندته الإقليمية؟

وعلى خط موازٍ يبرز سلوك «الجنرال» الذي نزل إلى الساحة، تحت عنوان استرجاع «الشعارات المسروقة» من ناشطي المجتمع المدني، لا سيما شعار كهرباء 24/24 ومحاربة الفساد، وحشد بقوة «حزب الله» من أجل تلميع صورته وتعزيز حضوره بعد الفضيحة الداخلية داخل تياره بتنصيب صهره رئيساً وإفشال العملية الديموقراطية أي الانتخابات التي تسببت بانفكاك تنظيمي في التيار ومن حوله، في وقت يدعي فيه المناداة بالديموقراطية ويصرخ داعياً إلى انتخابات نيابية، مدعوماً من مناصريه في حارة حريك، وبالتالي فهو فهم أن دينامية الحراك المدني ضده خفية أو علناً، وهي أربكته بالطبع، وكشفت عن وجهه وإن لم يكن هو في واجهة المطالب، إذ إن لا أحد طالب بإسقاط سلاحه من مجموعات الحراك المدني المصرّة على شعار «كلن يعني كلن»، إلا أن ذلك لا يجعله بريئاً من التعطيل والفساد وتدمير الدولة.

لقد أيقظ الحراك المدني مشاعر المواطنين الذين يعانون الكبت والقهر والذين فقدوا الأمل في ظل التقاسم والفساد والجمود بانتظار الخارج، مما أربك الحسابات وأعاد القضايا المطلبية إلى الواجهة، تطبيع الدولة مع الدويلة لا يمكن أن يستمر طويلاً، ويخشى من أن أي حراك مهما كان قوياً على المستوى الشعبي سيصطدم لاحقاً بجدار نظام حزب «الدويلة»، وهنا سيجد نفسه أمام مأزق لا يمكن حله طالما بقي على حاله.