IMLebanon

استراحة المحاربين في الجبل: ماذا لو وقع المحظور؟

   

عاد أفرقاء النزاع الأخير في الجبل إلى استراحتهم، قبل أن تتبلور حلول جدية لما آلت إليه مغامرة الأحد الفائت واليومين التاليين. أُعيدوا إلى مظلة الاستقرار الأمني، بيد أن دون الحلول السياسية المتوقعة عقبات ثقيلة

 

ما حدث الأحد 30 حزيران في قبر شمون، لا يزال ينطوي على بعض الألغاز التي تحتاج إلى وقت إضافي كي يصير إلى جلائها. إلا أن التحوّل القياسي، غير المتوقع، من رسالة سياسية إلى رسالة دموية كاد يضع هذا الجزء من الجبل في خطر حقيقي، يتجاوز الخلاف وتقاسم الزعامة إلى حدّ الوقوع في الفتنة.

كلا الطرفين الدرزيين بطلي الرسالة الدموية، رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، ورئيس الحزب الديموقراطي اللبناني طلال أرسلان، يتبادلان الاتهام بافتعال ما حدث، وتحميل أحدهما الآخر مسؤولية سقوط الضحايا. كذلك كلا الطرفين بطلا الرسالة السياسية، جنبلاط ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، تبادلا اختبار قوة على أرض قضاء عاليه كجزء لا يتجزأ من مرحلة انتخابات 2018 وما نجم عنها، وتمكّن التيار للمرة الأولى منذ عام 2005 من التغلغل الانتخابي والسياسي في هذا القضاء، كما في قضاء الشوف، وانتزاعه فيهما أربعة مقاعد نيابية.

واقع ما حدث في ذلك الأحد، أن طرفي النزاع لم يحسبا، على المسطرة، المسار الذي ستجبهه المغامرة تلك. ومع أن مواراة الضحيتين الدرزيتين البارحة واليوم – وإن في ظل نبرة تصعيد حادة – برّدت قليلاً الاستنفار والتشنج الدرزي – الدرزي، إلا أن معالجة التداعيات المباشرة للمشكلة، كتسليم الموقوفين من الطرفين، وبتّ الجدل القائم من حول الإحالة على المجلس العدلي، وغير المباشرة كالتنافس وإثبات الذات السياسية لم تبصر النور بعد، وقد لا تبصره قريباً، ما يفترض مزيداً من الوساطات والدعوة إلى التنازل.

لعل إحدى الخلاصات الرئيسية التي نجمت عن أحداث الأحد، تكمن في معطيات منها:

1 – بالتأكيد، لم يكن ثمة قرار بالاعتداء على باسيل، ولا على الوزير الأرسلاني صالح غريب، ولا قتلهما، بل تسجيل رسالة اعتراض عليهما. الواضح أن رسالة الاعتراض موجهة أكثر إلى وزير الخارجية، تعبيراً عن الانزعاج من مواقفه السياسية الآخذة في التشدد والتحدي إلى حد الاستفزاز، وإصراره على أن تكون ملازمة لجولته على الجبل كما تلك التي سبقتها، في سياق إعلان مفاده أن تياره أصبح في كل مكان في لبنان.

ذريعة انفجار الأحد، كلام باسيل عن سوق الغرب التي تضمر قصتها عداءً تاريخياً مستحكماً بين جنبلاط والرئيس ميشال عون بدأ عسكرياً ولم ينته سياسياً حتى الآن، وهو تجلى مرتين على التوالي: أولى عامي 1983 و1984 جرجرت إلى السنوات التالية حينما كان عون قائداً للواء الثامن ثم قائداً للجيش، وثانية عام 1989 حينما أضحى رئيساً للحكومة العسكرية. عدم سقوط سوق الغرب في أيدي الزعيم الدرزي في هاتين المرتين، لم يُشِر إلى عدم اكتمال إمارته في ربط آخر حدود بين الشوف وعاليه وبعبدا فحسب، بل حال دون سقوط شرعية دستورية كان يمثلها الرئيس أمين الجميّل في المرة الأولى، وعون على رأس حكومته في المرة الثانية. ليست خافية، ولا أسراراً منسيّة من الحرب، أن فوهات المدافع السورية بأوامر مباشرة من رئيس أركان الجيش السوري حكمت الشهابي دكّت سوق الغرب وجوارها نزولاً إلى القصر الجمهوري ووزارة الدفاع عام 1989، وأوشكت على إحداث اختراق مهم، قبل أن يأتي من الخارج، للمرة الثانية بعد عام 1983، إنذار بأن البلدة «خط أحمر».

عند جنبلاط ظلت طويلاً شوكة في الحلق، وعند عون مصدر استمرار الشرعية ومقاومته. إعادة بعث الروح في هذه القصة تستفز الأول، وتشعر الثاني، من خلال صهره، بمغزى الانتصار السياسي في انتخابات 2018 بعد مغزى الصمود العسكري القديم. لكن الواقع أيضاً أن الرجلين لم ينسيا – وقد لا يريدان – ماذا عنت البلدة تلك لهما على السواء.

على نحو كهذا غضب الشق الجنبلاطي في الشارع الدرزي من استعادة قصة سوق الغرب، فحضّ حزبه على التحرّك والاستنفار في أكثر من منطقة في قضاء عاليه، فآل الأمر إلى ما يشبه كارثة في قبر شمون.

2 – لأن لا قرار بالقتل والاغتيال، ولم يعد من السهولة بمكان العودة إلى خيارات كهذه لتصفية حسابات، شأن ما رافق سني الحرب ولم ينجُ منها معظم الأحزاب المتورطة فيها، فإن تسيّب الشارع وإطلاق النار من الطرفين الدرزيين، كاد أن يؤول إلى ما هو أخطر وأدهى: تعرّض غريب لاعتداء متعمد، أو عفوي، مشكلة خطرة، كما أن اعتداءً محتملاً على باسيل سيكون «أنحس» أثراً.

 

جنبلاط من الكويت: هل يريد حزب الله تكبيرها؟

 

مع ذلك – وقد يقيم في هذا الجانب الدور المفاجئ لحزب الله، مساء الأحد، وإطلاقه من منزل أرسلان رسائل عدة – فإن سقوط أيٍّ من الرجلين ضحية عنف جراء نزاع سياسي لن يجعل أي ضرر يلحق بغريب – ما دام يصر وأرسلان على أنه تعرّض لمحاولة اغتيال مقصودة – بصفته الشخصية، بل سيُنظر إلى هذا الاعتداء على أنه «اغتيال» وزير في قوى 8 آذار، حليف لحزب الله وسوريا. بذلك، تتغلب صفته هذه على الصفة الشخصية كوزير ليس إلا. ما سيعنيه ذلك، أن قسماً من الدروز يوجه رسالة دموية إلى القسم الآخر منهم، ما يضع فريقاً في الطائفة قبالة الفريق الآخر إيذاناً بفتنة مذهبية من الداخل ذات مضمون سياسي أولاً وأخيراً.

كان سيعني أيضاً مواجهة علنية بين جنبلاط وقوى 8 آذار وحزب الله خصوصاً، الذي لم يكن قد نسي بعض اشتباكاته الأخيرة بزعيم المختارة، بدءاً بالترخيص لمعمل عين دارة، وانتهاءً بإثارة عاصفة من حول مزارع شبعا.

3 – لم يكن تدخّل حزب الله قليل الأهمية حيال ما حدث، وبالكاد انقضت ساعات. عندما أدلى وزيره محمود قماطي بموقفه من خلدة مساء الأحد من منزل حليفه، خابر جنبلاط من الكويت أحد أصدقائه المسموعي الكلمة، يسأله: سمعتُ ما قال. هل يريد حزب الله تكبيرها؟

جواب محدّثه المطلع جداً أن النبرة تحذيرية وليست تهديدية. الرسالة واضحة من شقين، مفادها أنه ممنوع على أيّ أحد اللعب بالنار. يقول لك ممنوع الفتنة الدرزية – الدرزية، وممنوع إقفال مناطق دون أحد.

سأل جنبلاط مجدداً: هل ثمة تتمة لها؟

أجيب بالنفي.

أذِنَ هذا الإيضاح بفتح أبواب التفاوض بسقوف عالية بدءاً، ثم بخفضها تدريجاً عند الطرفين الدرزيين المعنيين.

أما المصالحة، فشأن آخر تماماً.