IMLebanon

تقسيم بلدية بيروت هدفه «فدرلتها» إدارياً ومن ثم سياسياً!

 

عواصم البلدان المختلفة، تشكّل المؤشر الأساسي والأكثر تعبيراً عن واقع تلك البلدان على الصعد كافة، كون للعاصمة وظيفة مركزية للدولة ولمؤسساتها الدستورية والإدارية، ولحجم الدورة الاقتصادية والإنتاجية، ولمدى الاستقرار الإجتماعي والمعيشي بكلّ مندرجاته لتلك البلدان، كونها، أي العاصمة تختزل بمركزيتها واقع دولتها، وتحدّد مسار نظامها السياسي، بما في ذلك الأنظمة غير الديمقراطية، أو الأنظمة التي تمارسها جزئياً وبحدّها الأدنى…

بناءً عليه، فإن موقع ودور بيروت التوحيدي الجامع في المعادلة الوطنية التاريخية منذ نشأة دولة لبنان الكبير، شكّل ضمانة لبنان الوطن والكيان والدولة، والنموذج الفريد والمميّز في هذا الشرق…

 

وفي الوقت الذي أحوج ما يكون فيه لبنان بحاجة للتمسّك بثبات وصلابة بهذا الدور التوحيدي الجامع لبيروت، في ظل ما يعيشه من أزمة كيانية، تجعل وجوده مهدّداً، ومصير بنيه مجهولاً، يطلع علينا عدد من نواب بيروت، مدفوعين ومشحونين بفئيوتهم وعنصريتهم الطائفية والمناطقية، بمشروع تقسيم بيروت بلدياً إلى جزئين على أساس طائفي، بعيد كل البُعد عن تاريخ وهوية بيروت «عاصمة الوحدة والوطنية والعيش المشترك»، في سابقة خطيرة، مستحضرين ثقافة الحرب العبثية المدمّرة (الشرقية والغربية) ونكئ جراحها، وكأنهم ما زالوا عالقين داخل شرنقتها، غير قادرين على تجاوز «متاريسها» (لزوم التقاتل الطائفي)، المختبئين على الدوام خلفها، لتصويب نيران حقدهم ورفضهم للعيش الواحد والمواطنة، تجاه شركائهم في الوطن، المتمسّكين بالمناصفة، عن قناعة وفعل إيمان، غير ملتفتين للتغيير الديموغرافي الجذري، الذي تسبب بخلل بنيوي في التركيبة المجتمعية في بيروت، وذلك حرصاً منه على لبنان «الرسالة»، كما جاء في «الإرشاد الرسولي».

لا يختلف إثنان على التراجع (الممنهج والمنظم) للدور الريادي المتقدم لبيروت (عاصمة قرار لبنان السياسي) منذ سنوات، مقروناً بإضعاف مؤسساتها التاريخية على الصعد كافة (دينية، إجتماعية، تربوية، صحية، تنموية، الخ…)، مقروناً بالتدمير المتعمّد لبنيتها التحتية والفوقية ومرافقها العامة التي باتت شبه مشلولة، فضلاً عن طمس كلّ معالمها الحضارية، وضرب حركتها الاقتصادية (المتوقفة عجلتها) بالصميم، وصولاً إلى الحالة المعيشية المزرية المذلّة التي يعيشها أبناؤها وأهلها والمقيمون فيها من مختلف فئات وشرائح المجتمع البيروتي.

لكن السؤال الذي ينبغي طرحه على هؤلاء النواب «المتبيرتين» أصحاب مشروع القانون «الهجين» القاضي بتقسيم بلدية بيروت: هل ما تعانيه بيروت من تدمير ممنهج للقضاء على دورها وتاريخها، يتحمّله مجلسها البلدي حصراً، أم أن هذا الحقد، يندرج في سياق مشروع «جهنمي» يديره وتنفذه جهات سياسية محلية وخارجية، للإطاحة بدورها الريادي، كعاصمة مركزية للقرار اللبناني، وبوظيفتها التوحيدية الجامعة للنسيج اللبناني الحضاري التعددي، وإستدراجها إلى مستنقع أتون صراع الأزقة والزواريب؟!

طرح هذا السؤال، لا يعفي المجلس البلدي لمدينة بيروت – الذي تتمثل فيه كل القوى السياسية، بما في ذلك الجانب الذي ينتمي إليه أصحاب الاقتراح، المسؤولية الكبيرة التي يتحمّلها عن كل ما يشوب أدائه من تقصير وخلل وهدر، وصفقات الخ… رغم أنه المجلس الوحيد في كل لبنان الذي لا يملك صلاحيات تنفيذية، المناطة قانوناً بالمحافظ، لإعتبارات قيل أنها تتعلق بالتوازن الطائفي، حيث أنه منذ خمسينات القرن الماضي وبلدية بيروت تعاني من تضارب الصلاحيات بين السلطة التقريرية المتمثلة بالمجلس البلدي والسلطة التنفيذية المتمثلة بالمحافظ، حيث كانت على الدوام تصطدم الحلول بالجدار الطائفي والمذهبي!

بالتأكيد أصحاب الإقتراح، الذين يريدون تفتيت وتقزيم بلدية بيروت إلى «لجان أحياء» (يكون للمخاتير صلاحيات أوسع منها) يدركون هذه الحقائق، غير أن طرحهم لا يتعلق بإستنهاض الوضع البلدي في بيروت، ولا إلى رفع الغبن الإنمائي والخدماتي عنها، بل إنهم يعيدون إحياء المشاريع التقسيمية، تحت مسمّيات متعددة، مراهنين على ما يلوح في أفق المنطقة من مشاريع تقسيم للخارطة «الجيو-سياسية»، مما يعيد إحياء أحلامهم الإنقسامية.

من الواضح أنّ هناك سباقاً شعبويّاً على تقسيم بلدية بيروت، تحت ذرائع مختلفة، (بغض النظر عمّا إذا كانت ستحصل الإنتخابات البلدية، أم سيتمّ إرجاؤها)، حيث يمكن الإستنتاج أنّ الأصوات المرتفعة المنادية بتقسيم بلدية بيروت، ليس الهدف منها الإنماء المتوازن للعاصمة، بل المؤكد، أن الهدف منها، تحقيق الفدرالية الإدارية والمالية تمهيداً للفدرالية السياسية، بحيث تصبح البلدية بديلة للدولة، تتولّى بنفسها إدارة شؤون المناطق!!!