IMLebanon

قاسم: إخراجٌ سيئ للتقارب الإيراني السعودي

 

 

تزامنت زيارة  أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني إلى الرياض مع خطاب الأمين العام لـ “حزب الله” الشيخ نعيم قاسم الذي طلب فيه من المملكة العربية السعودية فتح صفحة جديدة مُرفِقًا الطلب بستة شروط وبنبرة مليئة بالاستعلاء ومحاولة استغلال التحوّل الذي فرضه العدوان الإسرائيلي على الدوحة لإيجاد دور لسلاح “الحزب” في مواجهة إسرائيل، على قاعدة “تجميد” الخلافات مع العرب وإعطاء الأولوية للتصدي لجنون حكومة التطرف في الكيان الإسرائيلي، ليضع قاسم بذلك نفسه وحزبه أمام إشكالية صوابية التوجه نحو المملكة العربية السعودية، وخطأ الطرح وسوء الإخراج.

 

ضمّن قاسم خطابه شروطًا ستة ليس من بينها ما ينتظره اللبنانيون وتحديدًا قبوله بحصر السلاح في يد الدولة، بل أغرق في الكلام عن دور “الحزب” في الصراع مع إسرائيل، وهو الصراع الذي تديره الرياض للوصول إلى دولة فلسطينية، ولحقتها طهران لحجز مقعدٍ لها قبيل نجاح الأمير محمد بن سلمان في حشد الدعم لإعلان الاعتراف الكامل بالدولة الفلسطينية.

أوّل عوامل سقوط شروط قاسم هو أنّ حزبه فشل في إثبات قدرته على إطلاق رصاصة واحدة ضدّ إسرائيل رغم استمرارها في العدوان على الجنوب وفي تصفية قياداته وعناصره، وكان أخطر الاستهدافات مؤخرًا مصرع 15 قيادياً في القصف الذي طال مدينة النبطية وأصاب في الوقت نفسه مدنيين… مقابل استمرار حماس في مواجهة جيش الاحتلال في غزة وإيقاع الخسائر في صفوفه وإطلاق بعض الصواريخ على غلاف القطاع، ومواصلة الحوثيين، ولو بنسبة أقل من السابق إرسال المسيرات والصواريخ إلى سماء فلسطين.

المسألة هنا: هل ما زال “الحزب” يملك الصواريخ والمسيّرات أولًا؟ ثم إذا كان لا يستعملها في الردّ على العدوان الذي يصيبه ويصيب أهالي الجنوب والبقاع، فلماذا الإبقاء عليها، وهنا تحضر تهديدات قيادات “الحزب” للداخل وملء الفضاء الإعلامي بأبشع الأصوات وأكثرها تطرفًا وإثارة للقرف، وهي تشتم كلّ من يعارض “الحزب” وتهدِّد بالقتل واحتلال بيروت لفرض صورة وشكل الاحتفالات ذات الطابع الحزبي على العاصمة، بمناسبة إحياء ذكرى قياداتٍ اعتدت على أهلها وعادتهم، منذ 7 أيار تاريخ الغدر والعار حتى اليوم.

المشكلة الكامنة لدى نعيم قاسم هي أنّ التعبئة المعادية للسعودية والعرب عمرها عقود، وهي تشكِّل جزءًا من “العقيدة السياسية” للبيئة الحزبية ولشريحة من الشيعة، ومع وقوع الانقسامات داخل الجسم الحزبي، بين من يريد الخروج من دائرة القتل والاستهداف وإنهاء مرحلة العمل المسلح، وبين رؤوس حامية لا تزال تريد القتال، جاء خطاب نعيم قاسم منفصمًا، فلا يصلح أن يكون “شحاذًا ومشارِطًا”، وهذا ما جعله يخسر التقاط اللحظة الإقليمية السعودية الإيرانية.

كان ينبغي على نعيم قاسم أن يعلن انضواء “الحزب” في مشروع الدولة اللبنانية، وأن يكفّ عن الوهم بأنّ له دورًا إقليميًا، وأن يوقف خطاب العنتريات والكراهية الصادر عن الناطقين الحزبيين والإعلاميين الشتامين، وأن يضبط الخطاب الصادر عن المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى (المستقوي به) تمهيدًا للدخول في مرحلة استيعاب التفاهمات السعودية الإيرانية، وأن يكفّ عن استهداف اتفاق الطائف وعن التلويح بالانقلاب عليه تحت عنوان فرض إلغاء الطائفية والتهديد بتحويل القصر الجمهوري إلى حسينية.

العقبة الأخرى أمام قاسم في علاقته مع السعودية، هي أنّه ما زال يعتقد أنّ لما تبقى من سلاحه دورًا في ردع الجموح الإسرائيلي، وأنّ الرياض ستقبل بالتعامل معه ككيان سياديّ، وربما فات قاسم أنّ نظام الأسد أصبح في خبر كان وأذرع إيران في المنطقة العربية باتت محطمة، فجاء الردّ السعودي أنّ المملكة تتعامل مع الدولة اللبنانية، وأنّه لا عودة للدعم إلاّ بعد إنهاء إشكالية السلاح.

لم يسمع نعيم قاسم جيدًا ما نقله الشيخ عباس الجوهري عن السفير السعودي وليد البخاري من حرص على الشيعة وأهمية مشاركتهم في الحياة الوطنية، وما دعا إليه الجوهري “الحزب” لضرورة الانتهاء من مرحلة الإنكار إلى مرحلة الإقرار بضرورة الانخراط في الدولة، خاصة في ضوء رسائل الطمأنة السعودية والوطنية اللبنانية، وكان أعلاها صوتًا، خطاب رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع الذي أكّد دور الشيعة كطائفة مؤسِّسة ورفض أن يتعرضوا لما تعرّضت له “القوات” بعد تسليم سلاحها من تنكيل واضطهاد.

لم تفت الفرصة بعد، فأمام “الحزب” فرصة لإعادة صياغة خطابه، وتقديم رؤية جديدة تتخلى عن الأدوات السابقة وعن الشعارات الزائفة وتعتذر للبنانيين والعرب عن الانخراط في مشاريع الفوضى الهدامة، وتحرّر الشيعة من دوامة الموت، فكل ضحية تسقط بعد توقيع “الحزب” اتفاق الاستسلام لإسرائيل، هي في رقبة كلّ مَن يعرقل حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية.