IMLebanon

مواقف نصر الله في «يوم القدس» لا تلزم الحكومة  

انتهت عطلة الفطر السعيد، ولا يبدو أن الأيام القليلة المقبلة ستشهد اعادة الحياة الى شرايين الحركة السياسية، التي سبقت ورافقت العيد، والعديد من القيادات السياسية يمضون اجازاتهم في الخارج.. وقد انتهى الماضي على تطور لافت، لم يكن في حساب كثيرين، بما تركه من انطباعات سلبية.. حيث اطل الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله، على الرأي العام، لمناسبة «يوم القدس العالمي»، عصر يوم الجمعة الفائت بكلمة، كان يمكن ان تمر التوافقات الداخلية التي حصلت – سواء على مستوى قانون الانتخابات النيابية، أم على مستوى «لقاء بعبدا» – بمزيد من المناعة والقوة والفاعلية.. لكنها، وفي قناعة عديدين من الافرقاء السياسيين، لم تكن على قدر ما كان يتمنى الجميع ويتوقعون، خصوصاً وان كلمة السيد نصر الله، جاءت بعد نحو 24 ساعة على اعلان «وثيقة بعبدا» التي اعتبرت بمثابة «خريطة طريق» للعهد، لتعويض اللبنانيين ما فاتهم طوال السنوات الماضية وما تعرضوا له، ويتعرضون، من أزمات وضغوطات طاولت كل مفاصل حياتهم، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية، بل والأمنية، الى حد ما..

اعادة القدس الى الذاكرة والى الوجدان وما تحمله من معانٍ وأهمية على المستويات الروحية – العقائدية، السياسية الوطنية والقومية، كافة أمر ينحني له الجميع ولا يقل أهمية عن ضرورة التركيز على قضية فلسطين – كامل فلسطين – التي باتت في «عالم النسيان» في عالم تحكمه المصالح والمافيات، اسلامياً ومسيحياً.. ففلسطين، وبقدر أهميتها على المستوى الروحي الاسلامي لا تقل أهمية، وعلى المستوى عينه مسيحياً.. وفي هذا، يسجل للسيد نصر الله، هذا الدور، وأن خرقه بسلسلة مواقف استحضرت تلبية لمصالح اقليمية مصوباً نيرانه على المملكة العربية السعودية، وهو يعرف مكانتها لدى اللبنانيين في غالبيتهم الساحقة ودورها ومكانتها الروحية والسياسية والاقتصادية، وقد زج بها في مواقع غير مبنية على أسس حقيقية وثابتة، بل تأويلات اعلامية..

خطاب السيد نصر الله كان «تصعيدياً» بامتياز، وهو وضع الدولة اللبنانية في موقع حرج للغاية.. وذلك على الرغم من ان مواقفه ليست مواقف الدولة، والافرقاء السياسيون في غالبيتهم الساحقة يرفضون افتعال الاشكاليات والخلافات مع السعودية، كما ومع سائر دول الخليج، وقد التزمت الحكومة اللبنانية سياسة النأي بالنفس ايجابا، عما يجري من تطورات في المنطقة انطلاقاً من عدة اعتبارات أهمها رفض التدخل في شؤون الغير، والحفاظ على مصالح مئات آلاف اللبنانيين العاملين في دول الخليج، والتزاماً بمبادئ القوانين والمواثيق الدولية والاقليمية – العربية.. خصوصاً، وأن ما من دولة باتت بعيدة عن الاستهدافات الارهابية، إذ أنه، وفيما كان السيد نصر الله يلقي خطابه كانت «القوى الأمنية السعودية تنهي عملية إرهابية كانت تستهدف الحرم المكي الشريف وتحاصر خلية كانت تهيء لاستهداف المصلين في الحرم..».

من الطبيعي ان ترفض الغالبية الساحقة من الافرقاء اللبنانيين تحويل لبنان الى منصة (ايرانية او غير ايرانية) ضد الدول العربية وهم يرون في ذلك محاولة غير مسؤولة تؤدي حكما الى تعكير صفو العلاقات الحياتية مع هذه الدول، لاسيما وأن الوضع الاقليمي، عموماً، بات مادة خلافية عميقة، الأمر الذي دعا الى ابعاد هذه المسألة عن «لقاء بعبدا» حيث اجتمع رؤساء الاحزاب العشرة المشاركة في الحكومة (ومن بينهم الرئيس نبيه بري والرئيس سعد الحريري ونائب الامين العام لـ»حزب الله» محمد رعد)، وكان هناك اجماع على النأي بلبنان عما يجري في المنطقة، وقد تفادى الجميع، خلال اللقاء، التطرق الى الوضع الاقليمي، لا في مداخلة الرئيس عون ولا في مداخلات سائر الحاضرين، ولا في البيان الختامي الذي صدر، تفادياً للدخول في أية قضايا خلافية..

في رأي عديدين، ان تصعيد السيد نصر الله في مثل هذه الظروف، وبعد أقل من أربع وعشرين ساعة على اصدار «وثيقة بعبدا»، هو أشبه «بانقلاب على ماتم التوافق عليه» في القصر الجمهوري خصوصاً وأن المشكلات الداخلية التي يعاني منها لبنان واللبنانيون تحتم تركيز الجهود لحل هذه المشكلات وتوفير مناخات داخلية تقطع الطريق أمام أي محاولات خارجية لاعادة ايقاع لبنان في فخ «الحروب الداخلية»، المستفيد الاول والوحيد منها، هو العدو الاسرائيلي، حيث لم تمضِ ساعات على تهديدات نصر الله باستحضار عشرات، بل مئات الآلاف لقتال إسرائيل حتى قصفت المدفعية الاسرائيلية مواقع للجيش السوري في القنيطرة، حيث يشارك الحزب في قتاله هناك.

لا يخفي عديدون قلقهم من تداعيات خطاب السيد نصر الله، الذي لم يكن ينسجم وواقع ما تتطلبه المرحلة والظروف الدقيقة التي يمر بها لبنان والمنطقة عموماً، على رغم ان لبنان مايزال يحظى باستقرار أمني، خلافاً لما يجري في العديد من دول المنطقة، وهو يستعد لاجراء الانتخابات النيابية بعد اقرار قانون الانتخاب. فاتفاق (وثيقة) بعبدا، حمل في ذاته بنوداً هي من صلاحيات الدولة – الحكومة، ولا ترى الضوء الأخضر خارج دعم التوافقات والاستقرار الداخلي.. وخارج التسليم للدولة بأنها المرجعية الرسمية الوحيدة ومصدر السلطة والقرارات (لاسيما الحرب والسلم) و»حزب الله» شريك في الحكومة وممثلا بمجلس النواب..

لقد كان الأولى بالسيد نصر الله، في مناسبة، كمثل «يوم القدس»، على هذه الدرجة من الأهمية والوجدانية ان يعزز من مناخات التفاؤل والحض على تجاوز كل ما يباعد ويفرق، ويعمل ما بوسعه على تنقية الأجواء السياسية في لبنان، الذي يعاني من أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية ومعيشية وأن يلتزم سياسة «الحياد الايجابي»، وهو يدرك ان التماسك الداخلي أقوى سلاح لمواجهة تهديدات العدو الاسرائيلي.. كما ويدرك ان التصعيد السلبي لا يساعد في «تنقية الأجواء السياسية ولا في تنشيط المناخ الاقتصادي في العلاقات مع دول الخليج العربي.. كأننا نقوم باطلاق النار على أنفسنا..» خصوصاً وأن الحزب هو في مرمى العقوبات الاميركية وغيرها..